كفى. عبث الكلام على لبنان، فما حاجتنا إلى القول والكتابة؟ هذا هو. كان كذلك، وسيبقى كذلك. غير مجدٍ التفكير بالتغيير. عقم تام. “شعب” جدير بالفشل. لا معنى لأي محاولة. معيب جداً أن نشتمه ونفضحه، ونحن الشتيمة والفضيحة.
كيف نحلم بلبنان آخر؟ اضغاث يقظة. من الحكمة أن نتصرف عنه فيما نحنُ فيه. من المفيد أن نكف عن الشكوى والتذمر والتظاهر والهتاف. هذه تمارين سياسية فاشلة. لبنان قلعة تسخر من رذاذ الموج وهو يتكسَّر عل صمودها.
الاستسلام فضيلة سياسية. لا حلول لهذا الكيان القوي، المنيع، الصامد، والذي بات يشبه به، وهو الذي لا يشبه الا نفسه.
اقول الاستسلام السياسي فضيلة سياسية، لأن لبنان يسخر من محاولات تحسينه او تغييره. لقد قيل فيه من الاتهامات والاهانات ما لا يحصى تعداده. استعملت بحقه كلمات بذيئة، وسيقت ضده اتهامات وجرائم، وقيل فيه ما لم يقله الفرزدق بجرير، ومع ذلك، فإنه يرفل بقامة صامدة، ومحاط بأثرياء الطوائف وحثالاتهم كذلك… فاسد؟ مضحكة هذه التهمة. لبنان يتباهى بأنه فاسد، وفي كونه يحتل مرتبة مرموقة بين الدول الفاسدة في العالم. ولا غرابة في إقدام الفاسدين الكبار، والمعروفين جداً، في اتهام لبنان بالفساد. فليس من الجائز اخلاقياً وسياسياً، تقليد هؤلاء، وشن هجوم دونكيشوتي على النظام، من قبل الايتام السياسيين: احزاباً وشباباً وشيوخاً ونساءً واطفالاً و… الغلابى الابرياء، الذين يظنون أن لبنان مأزوم، وان طبقة حكامه مأزومة… غلط. الأزمة ليست حيث يشير الناس بأصابعهم. الازمة في الشعوب اللبنانية المصابة بهستيريا التغيير، وهي لا تملك غير لغة مطاطة، وأقوال مكرورة، ومسيرات مستعادة.
قيل، “القوة هي القول الفصل” في إثبات الحق. صح. إلا في لبنان. القوة ممنوعة ومحرَّمة، لأنها اداة تخريب وفتنة طائفية. والطوائف تربح في معاركها، فيما تسجل الخسائر في ذمة الابرياء… ولو!!! ألم يحدث ذلك في “ثورة” الـ 58؟ الا نعيش زمن انتصار الطوائف التي ذبحت لبنان على مدار 15 عاماً؟ الثورة في لبنان، خرافة. والله حرام. إن دم الناس ليس مجانياً. لقد سُفك مراراً، ومُني بالجراح، وندوبها ظاهرة في النفوس.
يفتقر اللبنانيون إلى دليل. لا ضوء في هذا النفق الدامس. مصيبة. لعنة. كارثة. ومع ذلك، ليس المطلوب أن تستسلم لأصحاب لبنان “الشرعيين”، طوائف وزعامات واتباع. يلزم أن نستسلم امام أنفسنا ونعلن استقلالنا التام، عن طغمة النظام، مهما كان لونها او شكلها او دينها ومهما تعاظمت قوتها. من غير المعقول أن نكون لازمة النق على هذا النظام وزعرانه.
لا عمل مجدٍ. إذا لم تعلن حالة اليأس من هذا النظام المغفل والمحروس والخطير. اذل لم يحصل ذلك، فلا تفكير بلبنان آخر، ولو بعد اعوام.
لسنا البدائل ابداً. كل مشاركة بالنظام رذيلة وعمى وانتهازية. إن اول الأمل، يبدأ بإعلان اليأس التام من هذا النظام وحراسه وكلابه وخدمه وزعاماته. لا أمل قبل ذلك. التظاهرات فولكلور جميل. “غزل بنات”. يثير حنينا إلى ماضٍ ويطمح برجاء مستقبلاً، وهو فولكلور رديء النتائج. يعود المتظاهرون بعدما تصدح حناجرهم، ببحة وغصة في حلوقهم: لن يتغير شيء ابداً. ستكون شهادة لهم ويتباهون بأنهم “نظام ديمقراطي، ومع حرية الرأي” ونقطة كخاتمة لمشهد او فصل من مشاهد.
إذا ماذا؟
الرهان هو على المستقبل، ولو بعد عقود. لبنان باقٍ، برغم كل اعاقاته وعاهاته. مكتف بذاته. السؤال: ليس عنه، بل عمن يريد لبنان وطناً ديموقراطياً عادلاً مسؤولاً علمانياً الخ..
إذا لم يبدأ اليوم البحث عن النواة الصلبة، او عن حجر الاساس، فلا رجاء. فلبنان، يستحقه من يقتنصه اليوم. أن نكون، هو السؤال: هل نستطيع أن نكون قوة صغيرة مصممة وعاقلة ومضحية، ومؤمنة بالتراكم وحيوية الفكر وصلابة الثقافة ونصاعة الموقف؟
هل تستطيع النواة الصلبة أن تكون البديل الشعبي القوي، وهذا يتطلب تصالحاً مع الواقع والناس والافكار الجديدة والنضال الدؤوب، لبناء وصفوف مرصوصة، يُحسب لها حساب، ليس في المواسم الانتخابية، في وسائل النضال الذي لا ينحرف إلى طوائفيات مستعدة للقضم والهدم.
لقد كنا، حتى الآن، جديرين بالفشل. فهل نحصل، بعد جهد ونضال وتجدد وابتكار، أن نكون جديرين بالتقدم والنجاح؟
خارج هذا التحدي، لا معنى لأي حراك ينتهي بعد انفضاض الجموع. علينا أن نكفر نهائياً بالنظام وبأدواتنا. فنحن إن لم نفعل، فلبنان الطائفي جدير بأهله، وعلى الرافضين أن يعيشوا مرارة الفشل، انهم يستحقونها.
إذاً: الحق ليس على ارباب النظام، بل الحق علينا نحن. فهل نحن جديرون بهذا التحدي؟ الجواب يلزمه عمل، لا لغة. ويلزمنا أن نتجرأ على الجنون. فيا مجانين لبنان اتحدوا.