الاجتياح “الاسرائيلي” لدول الخليج ينبئ بالمزيد. حدث ذلك من زمان. من كان يصدّق هؤلاء من قبل، متواطئ او مخبول. هذه ممالك وامارات وسلطنات مطيعة. تتلقى الأوامر، الناعمة والغليظة، من صاحب الازمنة السياسية ومرجعها، في واشنطن. فلا عروبة تردعها ولا اسلام يعصمها. هي “كونتوار” سياسي وممول صفقات وداعية فتنة ومشعلة حروب وممولة مارقين.
من زمان أُخرجت فلسطين القضية من الخليج. استماتت انظمة النفط لإيجاد “حل سلمي”، يعطي “اسرائيل” ما ليس لها، ويؤخذ من فلسطين مما لها: مبادرة الملك فهد، بعد اجتياح اسرائيل للبنان واخراج منظمة التحرير من أراضيه. مبادرة الملك عبدالله، واستضافة لبنان السياسي لها، فيما ياسر عرفات ينام في غرفة على مسافة امتار من الدبابة الاسرائيلية، ويُمنع من اسماع صوته بواسطة الهاتف. التخلي عن الانتفاضة الأولى ومحاولات وأد الانتفاضة الثانية، وهكذا دواليك.
من زمان بعيد جدا، عُومل الفلسطينيي في أماكن اللجوء، كضيف ثقيل وانسان مشبوه. ألزم بالإقامة في معازل تسمى مخيمات. بؤس وبؤساء، شعب في الخلاء، قضية في العراء.. انتظر الجيوش العربية. انكسرت وخسرت، وتم التعويض بمطاردة “الفدائيين”. فلسطين مقبولة كتسوية. والتسوية الفضلى، لم تعد قرارات الأمم المتحدة، ولا قرارات الجامعة العربية، ولا اتفاقية اوسلو، ولا… ليس من تسوية “فضلى” غير تصفية القضية، عبر مشروع صفقة القرن. وهي تسوية تخرج فلسطين من الخارطة، وتشتت أهلها في معازل السياسة العربية.
هل نشهد عصر نهاية فلسطين؟ أميركا تؤكد على ذلك. أوروبا تصمت وتنأى بنفسها. موسكو على دين نتنياهو. الدول التي كانت تسمى عربية، لم تعد موجودة. افرغت الدول العربية من شعوبها. هي ممالك الصمت القومي. السلطات القابضة على السياسة، قبضت على شعوبها. عوَّضت عن فلسطين بالاصطفاف المذهبي، السني والشيعي.
لقد انصرف العرب عن فلسطين، وهي في الاساس، لم تكن هماً الا لدى عدد قليل من الانظمة “الثورية” الفاشلة. لقد افاضت في الكلام والاعلام، وقصرت في معارك السلاح و”السلام”.
هل هذه نهاية فلسطين؟
يخشى ذلك. الامة الحاضنة، تستعد لمخاض الاجهاض. فلتذهب فلسطين إلى النسيان. البديل، “ناتو عربي ـ اسرائيلي”، بقيادة “القدس العبرية” طبعاً. من مع فلسطين؟ اقل من أصابع اليد الواحدة. ومن هو معها، مهدَّد ومحاصر ومطلوب من قبل النظام الدولي برئاسة ترامب.
إنما…
برغم الانقسام الفلسطيني العدمي، بين “السلطة” و”حماس”، فإن الفلسطيني ما زال يمتشق قبضته وحجره ودمه، ويتقدم عارياً لمواجهة الاحتلال والحصار في غزة. الفلسطيني يولد كل يوم، مع وعدٍ بالمقاومة. يكفيه، وسط حصار عالمي وعربي، أن يقف ويقول لا، ثم لا، ثم…الى ما لا نهاية.
في لبنان مقاومة، دلَّت بالملموس، انها مستعدة ليوم فلسطيني آتٍ لا محالة. تعد العدة والخطة، بإرادة لا تفتر وبهمة اكيدة… ثبت انها فلسطينية وليست شيعية فقط. شيعيتها، هي مركز قوتها، وهي في الوقت نفسه نقطة ضعفها… العالم العربي مشطور إلى فسطاطين: فسطاط سني، وفسطاط شيعي. الصراع الطائفي، اساسه سياسي. هذه مصيبة الطائفية عندما تدخل السياسة. صورة المقاومة بعد التحرير وبعد عدوان تموز، كانت ملء الساحات العربية. امتلأت البلاد يومها بالعزة والفخر والأمل: اليوم لبنان، وغداً فلسطين.
للأسف، لم يدم ذلك طويلاً. الصراع السني ـ الشيعي، بات شمولياً. لا فسحة لقاء بين الفريقين. علماً، أن السنة تاريخياً، كانوا فلسطينيين أكثر من كونهم سنة. لعنة المذهبية خرجت من الحروب الاهلية، التي احتلت فيها المذاهب المرتبة الأولى.
هل هذه هي النهاية؟
بكل تأكيد. إذا استمرت حروب المذاهب، ففلسطين خاسرة. المطلوب، وبكل صراحة، المصالحة بين تيارات السنة غير التكفيرية وبين التيارات الشيعية المتعقلة.
لماذا لا يبدأ ذلك غداً؟
هذا أمل يستحق من أجله المجازفة والتنازل والتفاهم. في مواجهة، “صفقة العصر”، ليس أمامنا، سوى “مصالحة العصر” بين السنة والشيعة. من دون استثناء التيارات القومية واليسارية والمدنية و…
هل هذا أمل مستحيل؟
طبعاً لا. عدد العقلاء كبير، والخطر الإسرائيلي ـ الاميركي أكبر. والمهم، أن لا ننظر إلى الوراء، المكتظ بالصراعات والخلافات. المهم أن ننظر إلى فلسطين في المستقبل.
وللكلام تتمة. فعسى.