اللبنانيون الغلابى، يريدون التغيير ولا يسعون اليه، ثم يلعنون البلد ويكيدون الكلام الباهظ للطبقة السياسية ويتعاملون معها كحثالة.
هؤلاء اللبنانيون الطيبون جداً، عاجزون كثيراً. بالمقابل، اللبنانيون الطائفيون، اتباع زعمائهم كالأغنام الوضيعة، لا مشكلة لديهم. فهم ضد التغيير. انهم القاعدة الراسخة التي يرسو عليها قادة السياسة في لبنان. ومعلوم، أن الطائفيين يتساوون في الولاء لزعمائهم، حتى ولو كانوا نعالاً لأقدامهم.
لا مشكلة عند هؤلاء حتى الآن، لأن الاصطفاف مبرم وجدي ومجزٍ. ولا مشكلة ابداً عند زعماء الطوائف. انهم غير مأزومين، برغم الازمات الطاحنة التي تسببت بها عمليات النهب المستدام. ومثل هذا، تقليد متوارث، منذ الاستقلال حتى اليوم. صراعات الطوائفيات، السلمية والعنفية، تنتهي بمصالحات: “لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم”. تتمتع الطوائفيات بعبقرية الانتهاز. لا يردعها خلق او قيم او مبادئ او وطنية. بإمكانها أن تتحالف زمنا مع وزمنا ضد. مع سوريا ثم ضدها. مع فلسطين ثم ضدها. مع اسرائيل في 17 ايار ثم ضدها. الطوائفيات ترتكب المنكر السياسي ثم تداويه بمنكر آخر. دين الطوائفيات غفور رحيم، تماماً، كالجماهير الزاحفة دائماً على جباهها.
ما لنا ولهم! اننا لسنا هم. وهم ليسوا منا، بل علينا، نحن الذين لا طوائف تُسيّسنا.
المشكلة، مقيمة فقط، عند الصفوة الوطنية، تلك النخبة التي عصت الطوائفيات وخرجت منها وعليها، ووقفت في صفوف المقهورين، الذين يعيشون بلا وطن، وباتوا، مع تقادم المحن، بلا افق.
يعبرون عن محنتهم بكيل التهم والنقد والشتم، للطبقة السياسية، وهذه، لا تقيم وزنا لما يقال فيها وعنها. جلدها سميك، وضميرها “اسمك”، وسلوكها “جلف”، واطمئنانها متين. لا تخاف من الناس. لا تسمعهم. او، لا تريد أن ترد عليهم. رصيدها الطائفي يحميها من الافلاس السياسي.
ما لنا ولهم! لنا، أن نسأل اللاطائفيين، يتامى السياسة في لبنان، لماذا، وأنتم الكثرة، لم تصبحوا القوة؟ هذه مسؤولية كبيرة. لا يكفي الخروج من الصفوف الطائفية، وعدم الانتظام في صفوف مرصوصة، لتشكيل قوى، وليس قوة وحيدة، تعمل من أجل التغيير.
لا ينتظرن أحد، أن يأتي التغيير من فوق. انهم يغيرون على المال العام والخاص، يغيرون على الاملاك البحرية والصخرية (كسارات) ويغيرون على الادارات لإلحاقها، ولا يتغيرون. ومع ذلك، ما لنا ولهم! لسنا على دينهم وطوائفهم.
نجحت الطوائفيات في رسم واقع للبنان، على صورتها ومثالها. فازت بامتحان التسلط، بلا مساءلة. تمكنت من الارتكاب بلا محاكمة. هذا هو لبنانها. فأين لبنانكم أيها اللبنانيون المتحررون؟
إن الغد الطائفي، سيكون أقسى من هذا الواقع، وأشد فتكاً من الماضي. ومن المؤكد أن العجز الشعبي المزمن سيؤدي إلى انعدام الامل واليأس.
جيل الانقياء، إذا لم يتوحد، ولم يبحث عما وعمن يوحده، سيكون جيل اللعنات والعذابات والتخلي. امام المؤمنين بالوطن والمواطنة، فرصة البحث عن قواسم مشتركة، بين الهيئات القديمة والعريقة والضعيفة، او فرصة انشاء اتحادات وتنظيمات واسعة الصدر لانتماءات متباينة. الديمقراطية كفيلة بمداواة الخلافات العابرة. لا مفر من البحث عن قيادات وطنية، مخضرمة وشابة، من رجال ونساء، من شباب وكهول، ممن لم يرتكبوا اثما بحق الوطن والمواطنين لإطلاق ورشة تغيير، وفق خريطة طريق، نص عليها الدستور اللبناني واتفاق الطائف، لجهة تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، وإقرار قانون انتخابي خارج القيد الطائفي، وتشكيل مجلس شيوخ يضم ممثلين عن العائلات الروحية، اضافة إلى تنفيذ بند التنمية المتوازنة، واستقلال القضاء…
ازمة اليوم المالية والاقتصادية والبيئية والزراعية والادارية و…و… هي نتاج حتمي لطبقة سياسية متوارثة، تدوس بأقدامها، بنود الدستور والقوانين والشرائع، ولا يسيرها غير جشعها وسهولة ارتكابها للنهب.
أمام اللبنانيين فرصة التمهيد لتغيير، إذا تمكنوا من تشكل قبضة من آلاف الأكف المتمردة.
وإذا لم يحصل ذلك، فليس امام الصفوة اللبنانية، غير أن تخرس، وتقفل فمها، وتمضغ اليأس وتداعب بمخيلتها، احلام الهجرة. وبئس المصير. عندها، سنخسر كل شيء.
ليت لا.