هل صحيح أن لبنان مقبل على التغيير؟ غريب! التعويل على التغيير خرافة بَلقَاء. تغيير ماذا؟ النظام! تبين في خلال قرن كامل انه نظامٌ خالد ومزمن و.. قاتل ايضاً. نظامٌ غير قابل للتعديل او التقليل من كوارثه. اصلاحه أضغاث احلام. هو صديق المستحيل.
يشبه طموح تغيير النظام في لبنان من “يروبص” في منامه، ويهذر في صحوه. لا أمل في أن يتوقف “حزب التغيير” المتعدد اللهجات. لأن الشعار سلعة رائجة وسارية وممجوجة.. هذا النظام لا يخشى الكلام، ايها الاذكياء الاغبياء. انه متين. متراس مُدعَّم. من ابتدعه، لديه عبقرية جهنمية. قيل لنا: إبدأوا بتنظيم الطائفية واشباعها. بعدها، انتقلوا الى الدولة. خلطوا الطوائف بالدولة. اكلت الطوائف الدولة، واقامت بديلاً: أعمدة هيكل لا تقوى عليها آلهة هشة وصغيرة، تصف نفسها بأنها علمانية. من بعد، هزمت العلمانية من دون معركة.
الكلام الانتخابي كبير جداً. “بوب كورن”. هو عواء من فوق السطوح. مئة عام، انهار فيها الكيان مراراً، ونجا النظام. صحيح انه مخلّع، ولكنه حي ومصان ومحروس ودائم. لذا، لا امل بالتغيير. وإن حدث تغيير ما، فللأسوأ. تاريخ النظام فصيح. طفولته لم تكن هشة. رضع التقاسم والمحاصصة من القرن التاسع عشر. هذه السابقة مترست في الهيكل والمؤسسات. بات النظام اقوى من كل الاقوياء. الطوائف اقوى من الآلهة.
من دروسنا اللبنانية نقل العدوى. لبنان النموذج الدامي. العراق على صراطه العنفي. سوريا تجاوزتنا عنفاً ودماً ودماراً. مملكة البحرين مارست الاقتلاع. اقليات تطمح ان تتشبه بلبنان. انها صيغة سويسرية، انما بترجمة ظالمة ودامية ومخربة وعبثية.. ما بني على المحاصصة الطائفية، لا يهدمه أي بديل، ولو كان صافياً ونظيفاً ومربحاً ويتقبل الجميع بوصفهم متواطئين متساوين أمام القانون.
عمر هذا النظام سيطول. لن يتغير في أيامنا. الأديان والطوائف والاقليات، مستشرسة ومفترسة ومصانة من قوى دولية عظمى. لا يتغير، وهذا يقين صارم. وعليه، فليكف مرشحو التغيير عن التصويب على ازاحة النظام. لبنان هو نظامه. من دون طوائفية، لم يكن للبنان هذا ان يولد.. الطوائف ولّدت لبنان، لا العكس.
طلاب التغيير، لا أعرف ان كانوا يصدقون أنفسهم. هذا جنون قاصر عن الفعل، ومهذار في الكلام. هذا وهم وكذب لأكثرية مغامرة، اجتاحها جنون المستحيل: التغيير.. العرف يقتضي منا ان نفهم، كيف سيغيرون النظام؟ بمن سيغيرون؟ وفق قانون انتخابي معتل، طائفياً دستورياً وانسانياً. النظام الطائفي اثبت انه همجي، بربري، تقسيمي، توافقي، أي تحاصصي. نظام مدعوم عربياً، من عرب الكلام لا أكثر. نظام محمي دولياً، من الدول المتخمة بالديموقراطية والحرية والمسؤولة امام شعوبها. هذا النظام مطية دولية. كل دولة تمتطي طائفة، وهذه تدخل سباق الخيول، كخيول شغوفة بالكسب والهبل. وهو ايضا، مطية تحظى برضا الاديان، هنا، وهناك، وهنالك. وهنا، يصير البطريرك، والمفتي، والشيخ، صاحب حظ في الاملاء، او في تعكير المياه.
متى يرعوي هؤلاء “الطيبون” ويتوقفوا عن احلام اليقظة؟ قليل من التواضع فقط. قولوا، مثلاً، اننا نحلم بتغيير النظام. الخ.. سنحلم معكم. لا اثمان للأحلام. انها لذيذة وشريفة. هذه الاحلام، مقبولة وشرعية، بشرط التنبه الى انها بعيدة المنال، في أحسن الاحوال، او مستحيلة في أسوأها.
حسنا. ننتقل الى شعار أكثر تواضعاً: تغيير السلطة، او ما درجنا على تسميته المنظومة. هذا جيد ويعزف على الجراح. شعار انتقامي مع وقف التنفيذ. صحيح انه لا يمكن السكوت عن “سياسة” واحدة مزمنة، ارست عرفاً ابدياً حيث المناصب السلطوية والادارية و… هي ملك دائم ومتوارث. عائلات وطوائف وعشائر مزمنة، مشرشة ومقنعة، اعطيت حظوظاً الهية. السلطة هبة طائفية لا يقوى عليها انتخاب.
الطغمة، ليست عابرة. هي اصيلة واصلها محروس بسلالة من العبيد، الذين استعاضوا عن السير بأقدامهم، بالزحف على جباههم، وهم يتقنون الطاعة، لقاء رضىً او مكرمة ضحلة ومذلة. هذه الطغمة قوية ومزمنة ومتجددة ومتشعبة ومسيطرة، وتعرف البلد من “البابوج للطربوش”. كل مفاتيح “الدولة” في جيوبها. سكان لبنان من حزب “التعتير”. حصتهم اما الغضب والقرف، او الركون الى سلام الجبناء.
الطغمة ازدادت جنوناً وعظمة وعصمة. لذا هي راسخة سياسياً. ومعروف ان هذا النظام سابق على ترسيم الكيان وتزويده بنصوص فاخرة، دستورياً وقانونياً. إلا انه مصاب النكران. الدستور والقوانين في لبنان – ديكور فقط. لذا، احذروا صناديق الاقتراع، لأنها ستجدد شباب السلطة (المنظومة).
ماذا بعد؟
لا بد من الاعتراف بمهنية وعبقرية السياسيين في لبنان. يتقنون كل فنون الوصول والتسلط ونظافة الكلام والتعبير. تسمعهم، فتقول، انهم من جنس الصدِيقين وسبط الملائكة. تراقبهم، فتجد انهم وكلاء الشياطين. والعالم الراهن مكتظ بالشياطين، وإلا كيف نُفسر الحروب الزاحفة، وكيف نُصدق الغلط، ونعتبر العنف مقدساً؟
السياسات الطائفية في لبنان، بلغت من الشر شأواً متقدماً ومتفوقاً وباتت عابرة للمؤسسات والاحزاب وصبية الاعلام… ومع ذلك، يقال: لا بد منها.
المراهنون على نتائج الانتخابات بأنها ستكون وسيلة للتطوير او التطويق او فتح ثغرة، نواياهم سليمة ربما، ولكن عفويتهم تمنعهم من قراءة الواقع وتجذر مصالح الطوائف والزعامات المقامرة بالدين والناس. هؤلاء الذين دمروا لبنان مراراً، سيطوبون غداً، بناة ما تبقى من لبنان. طغمة شريرة لا مفر منها.
عجيب. التغييريون واعون ومتعلمون، ولكنهم لم يتدربوا بعد على عبقرية الطائفية، ومصالح الدول، بما فيها “الغرب”، الذي اسس هذه الكيانات، ونصب الطوائف والعائلات هنا وهناك.. ومن المحيط الى الخليج، ملوكاً وامراء وعائلات وطوائف.
عبث.
شعار السيادة كذبة بلقاء. التاريخ اللبناني عبّر بوضوح انه ليس سيداً ولا مستقلاً. مضمون السيادة، ان يكون سكان لبنان لبنانيين أولاً. هذا مستحيل. كي تستقيم امور الدولة، لا بد من ان ينتمي اليها بالمواطنة، فلا شيء يتقدم على الانتماء اليها.. للمرة الألف، لا وجود لشعب في لبنان. انهم فصائل طائفية. تاريخ لبنان كان طائفياً. مؤرخو تاريخ لبنان، انحازوا الى تاريخ يرضي طوائفهم. لبنان متعدد ومختلف. لا دولة عن جد، إلا إذا كانت صورة عن الشعب المعبر عن ذلك بإرادته. عندنا، الطائفي اولاً ومن بعده الطوفان. لا مواطنة طائفية. هناك تساكن وتجاور وتحاقد وتعارك وتآمر علني. اللبناني القادم من طائفته، رضع من صغره هويته. من كان مسلماً، افقه اسلامي. لا يمكن ان يمارس استقلالية لبنانية، لأن اللبنانية مهجورة ومهجرة. الماروني شديد الاتصال بالغرب، الذي كان في زمن ما مسيحياً عن جد. السني، كذلك. لبنان لا يكفيه. يتطلع الى مصر عبد الناصر ثم اخيراً الى السعودية. الشيعي مقيم في لبنان ومرتحل ومتحد حتى بإيران. وهذا أمر طبيعي في لبنان.. الادوار لا تتغير. فالماروني لن يكون ايرانياً او سعودياً او.. ويسهل عليه ان يكون غربياً والسني يصعب عليه ان يكون ايرانياً، بل يستحيل ذلك وكذلك الشيعي.. الى اخر الانتماءات.
والمنتخبون التابعون، على دين طوائفهم. هم جحافل تتلقى النصيحة كأمر. تأكدوا من امر كان متوقعاً، استعفى سعد الحريري من السياسة. ارتجت الانتخابات والتحالفات. والسنة في كل وادٍ يهيمون.
اذاً، شعار بناء الدولة مستحيل. التغيير بعيد المنال، ولن يحصل ابداً، الا بعد تغيير المجتمع. ولهذا شروط صعبة، لا يستجيب لها اللبناني في عصر العواء الطائفي.
أما بعد.
على قادة الحملات الانتخابية وأصحاب الحماسة الزائدة، واتابع اليقين بأن التغيير يبدأ بعد 15 ايار/مايو 2022 عبر صناديق الاقتراع… عليهم ان يجيبوا على أسئلة متداولة وسهلة وجارحة: هل سألتم ان كنتم قادرين على معرفة مصائر ودائعكم؟ اسألوا مرشحيكم التقليديين المرتكبين، و”الانقياء” الذين يتربصون بالمناسبة، لحجز مكان في المستقبل.. اسألوهم. كذابون. نهابون. فماذا أنتم فاعلون يا ابناء الـ… الطائفية؟
هل سألتم مرشحيكم عن رواتبكم؟ ذابت؟ ما الجواب؟ لم تسألوا ربما، لأنهم لم يأتوا على ذكر ذلك في صولاتهم الدولية والاقليمية. ماذا قالوا عن المرض والاستشفاء وحبة الدواء؟ اللبناني مرشح لأن يمرض وقد يموت على حافة المستشفى.. لا يجيبونكم لأنكم لم تسألوا. أخذوكم الى ما بعد اوكرانيا. لا شيء ابداً. سألتموهم عن جنون الاسعار وتفاهة الليرة؟ لا شيء؟ ماذا قالوا عن السلع الغذائية، رغيفاً ومشتقات اللقمة الناشفة؟ لا شيء. ربما لم تسألوهم عن الكهرباء والطاقة والدفء في الشتاء. ماذا قالوا لكم عن القضاء، وعن المحاسبة والمساءلة؟ لا تجرأون. ولو! اسألوهم عن التحقيق بجريمة انفجار المرفأ. ولو نسيتم. جرح “المرفأ” اصاب لبنان اصابة قاتلة، ماذا قالوا لكم؟ لا شيء. هل سألتم عن البيطار؟ أو عن سواه؟ هل نسيتم ان هناك وزراء ونواباً تم إستدعاؤهم للتحقيق. انكم تؤمنون الحماية من زمان للمرتكبين. دلونا على بريء من الارتكاب. جريمة الجرائم، تم تخطيها. على كلٍّ هذا تاريخ لبنان. القضاء ممحاة وتدريب على النسيان. هل سألتموهم ان دمعت عيونهم بعد كارثة غرق /اغراق سفينة الفقراء في طرابلس؟ لا نسمع شيئاً. ولم نرَ دمعة.
إذا ماذا تبقى لهم ليتفوهوا انتخابيا؟ السيادة يا حرام. لبنان مستعبد ومباع ومباح، من زمان. السلاح؟ يا حيف. فكروا قليلاً. اقرأوا التاريخ. خافوا قليلاً من العدو. هل تصدقون ان هناك مؤامرة على لبنان؟ انا اصدق. ان المتآمرين على لبنان، لبنانيون. والاسباب، ان اللبنانيين، في كل واد يهيمون: غرباً، شرقاً، عرباً، خليجاً، ايراناً.. ثم، هل تعرفون قوة الجيش في لبنان. تاريخه هو تاريخ مساهمة في “حفظ الأمن الداخلي”. والباقي تفنيص.
ثم، هل اقنعوكم بالإنماء المتوازن؟ بالإعلام المستقل؟ بإعلام الفتنة الموزعة على الملل والنحل والطوائف؟ هل اقنعوكم انه لا بد من اميركا وهي تمنع عن لبنان كل مساعدة، وهل اقنعوكم ان ايران عدو، فلا تأخذوا منها منحة او أي منة.
جنون هذا. جنون مطبق. ولا مواطن زاحف بالأربعة الى صناديق الاقتراع سأل المرشحين عن لقمة الناس وصحة الناس وغد الناس. لا أحد طالب المرشحين بكيفية الخروج من جهنم اليوم.
أما بعد، وقد وصل الى لبنان الى ما تحت القاع، وبات ميؤوساً منه ويائساً من شفائه، يداوي كبوته، بمزيد من الحفر في الهاوية.
انما.. انما.. انما. أود أن اسأل “المتنورين”، “التغييرين”. بالرغم من اصابتهم بالأنانية القاتلة، والانتهازية المذمومة، لدى أكثريتهم واكثريتهن، كما أود أن اسأل المتحمسين للانتخابات ممن يتناطحون اعلاميا وفي الشارع وفي “البوزات المضحكة و”الشعارات” التي بلغت غاية في السخف، ولا تمت بالصدقية ابداً. أود أن اسألهم ما يلي:
الم تلاحظوا ان المرشحين في معظمهم غرباء عن لبنان الحقيقي اليوم. مشكلة لبنان ليست السيادة الآن. هي مشكلة مزمنة وستطول. مشكلة لبنان اليوم ليست المقاومة وسلاحها. هذه قضية مزمنة، والاتفاق على حلها ميؤوس منه راهنا. أي هذه من المستحيلات.
الم يشعر هؤلاء، انهم يترشحون طائفياً، وينتخبون طائفياً، وموزعون طائفياً. والقانون طائفي؟ هل تقولون لنا، كيف ستغيرون، والقانون الانتخابي طائفي.
أتمنى لو تعرفون، ان الدولة والسلطة لا تعترف إلا بالطائفي عندها. اللبنانيون طائفيون، مسجلون في سجلات طائفية، يُوظفَون طائفياً. يترقون طائفياً. الخ.. واذا قرر احد ان يخرج من طائفته، فيصير مجهولا، اذ، لا يسجل في سجل ما، فيفقد كل حقوقه. كل حقوقه. هل تعرفون ذلك. هذا النظام الطائفي، توتاليتاري. استبدادي، مركنتيلي، عصبوي وعصابي (من عصابة) وهو اقوى من الانظمة في المنطقة. استعصى على حربين داخليتين، وعلى نزاعات مستدامة، بسبب طائفيته، التي لا غنى عنها عند قادة العصابات السياسية الدينية الطائفية.
هل سألتم المرشحين ماذا سيفعلون؟ إذا اجابوا بنعم. اعرفوا انهم كذبة. كذبة. كذبة. لبنان امامه مسار طويل الى الخلف، لبنان هذا لن ينتحر. لأنه استساغ انتحارنا. فمستحيل ان نصبح شعباً. نصير شعباً إذا تبنا عن الطائفية.
مرة كتبت الانتخاب ارتكاب.
راهنا اقول: كل منتخب مرتكب.