“الانتخاب” على الأبواب. من يصدق أن ما يجري هو “انتخاب”؟ يمكن إطلاق تسميات كثيرة صائبة على المناسبة، الا الانتخاب. يصح فيها: تجديد البيعة، تدل عليها مهرجانات المبايعة. يقال فيها: اقتسام “الكعكة”، من علاماتها كيفية تركيب اللوائح. ينسب اليها أنها بيع وشراء، من لوائحها حجم المتموِّلين في كل لائحة وتخمة الاموال المدفوعة سلفا… ويقال في هذه المناسبة، انها لتصحيح المحاصصة عبر الصوت التفضيلي. لا يجوز أن يسطو السنة أو الشيعة او الدروز او الموارنة على أصوات لا تشبه طوائفهم. فلتكن كل عنزة معلقة بكرازها، فقط لا غير. الاختلاط يلوِّث النقاء الطائفي. ذروة العنصرية.
ليس هذا كل الموسم. الناخبون غفروا لجميع الزعماء ومرشحيهم. صدر عفو عام على المنظومة السياسية وممثليها. تم سحب الشتائم والاتهامات التي كيلت لهؤلاء العائدين إلى السلطة بدون الاعتراف بأي ارتكاب. يشبهون الملائكة السود. الناخبون الذين ملأوا الأذان صخباً واتهاماً، ركنوا إلى سلامة الطائفة. الطائفة تستحق التضحية بالديمقراطية والمحاسبة والمساءلة. اكتمل النصاب الاخلاقي للطائفية السياسية برغم السلب والنصب الذي تعرض له الناخبون. والناخبون اهل وفاء ونسيان. تخلوا عن حرية اختيار مرشحيهم. ألزموهم بلوائح مركبة من اصدقاء الامس وخصومهم معاً. الانتخاب، غفور رحيم.. يجيز المحَّرمات. قبل الناخب أن يؤيد من كان يعتبره عدواً له ولطائفته وزعيمه. حرم الناخب نفسه، او بالأحرى، حرموه من الاختيار. أمروه أن انتخب ولا تفكر بالأسماء، حتى ولو كانوا بالأمس من الخصوم والأعداء.
“الانتخاب” مهرجان لتطويب الكذاب. والناخب قبل بلقب الكاذب. يقول “معليش”. المصلحة تقتضي ذلك. زعيمي اولاً وطائفتي ثانياً، والوطن، فليذهب إلى الجحيم.
كيف سيجرؤ الناخب غدا على الشكوى؟ منطقيا، يجب أن يخرس، و”يسد بوزو”. عليه أن يخضع ويشكر ويلثم يد من يسيء اليه والى الوطن. لم يعد ينفع إلباس العيب والعار والنهب والسرقة، للخصم. أن الخصوم كلهم في لائحة واحدة. من يدعي البراءة والتغيير ومن لا يستحي من فحشه وفساده وضماناته، مقيمون تحت سقف واحد، وفي لائحة، تهف منها الرائحة.
أوجه الشبه بين ما يجري وبين الانتخابات معدومة. المشكلة ليست في هذا القانون السيء، ولم تكن في قانون الستين الأقل سوءاً، ولم تكن كالقوانين السابقة الأكثر رحمة والأكثر حلالا. المشكلة ليست في القوانين. فهذه القوانين، مطبقة في بلدان عديدة. المشكلة ليست في اعتماد الاكثرية او النسبية او الدائرة الصغرى أو الوسطى أو الموحدة. هذا كذب وتزوير. كل هذه القوانين تصلح، لو أن المضمون مختلف. لو أن القاعدة مختلفة. أن أي قانون ينسج في نظام طائفي، قانون فاسد. العلة ليست في القانون، بل في كون الطائفية، هي قاسمة المشترك التقسيمي والعنصري.
لدينا دستور نظيف. لدينا قوانين ناظمة. لدينا مؤسسات سياسية منصوص عليها. لدينا مجالس قضائية وهيئات تفتيش وعدالة. لدينا مجلس خدمة مدنية وديوان محاسبة وهيئة مناقصات. ولدينا كل ما يلزم لدولة، ولكن ليس عندنا دولة، بل مزرعة. العلة ليست في القانون والدستور والمؤسسات. العلة في ناخبين بمئات الألوف، لا يطمئنون الا إذا وقفوا بالصفوف خلف طوائفهم. لذا، العلة ليست في الطائفية، بل في الناخبين الطائفيين ومن معهم.
ويسألونك عن الحل؟
العلة أن من يسألك هو صاحب اليد الطولى في تأليف المشكلة. يحرجك الطائفي بأن لا حل لديك، و”البلد هيك”. يعني: “سْكوت”. العلة في من يدعي انه غير طائفي، ولكنه يقرع الابواب ويرفع الصوت دفاعاً عن الطائفة، لان الآخر طائفي مثله. العلة في النخب الشاطرة في التبرير وتدوير الزوايا. النخب: جامعيون، اطباء، مهندسون، اساتذة، محامون، خبراء، طلاب جامعات، حزبيون سابقون، وحزبيون متقاعدون، كتاب، إعلاميون… هؤلاء، منظرون للانتخاب مع معرفتهم المسبقة أن البلد ذاهب إلى الخراب.
يبقى الهامشيون. استقالوا. يئسوا. اضربوا عن المشاركة. أحبطهم المجتمع المدني… هؤلاء بؤساء هذا البلد الذي يحبونه كثيراً، والذي يضطهدهم أكثر.
شعار المرحلة للناخب: انتخب واكذب. الكذب ملح البلد والسياسة والاخلاق. فالج لا تعالج.