غزة ـ حلمي موسى
في اليوم الثالث والأربعين بعد المئة، نزداد يقينا أنّه ما بعد الضيق إلّا الفرج، وأنّ تضحيات شعبنا لا بد أن تثمر نصرا، ولا بد أن ننال حقوقنا. فالعدوان منكسر، والاحتلال الى زوال.
***
برغم التفاؤل الذي أشاعته أمس الأطراف كلّها المشاركة في “قمة باريس” الثانية لبحث صفقة التبادل ومراحل وقف إطلاق النار في غزة، إلا أن نتنياهو، كما توقّع كثيرون، أصر على إفساد التفاؤل سريعا، حتّى قبل أن يصدر رد من “حماس” على ما تم الاتفاق عليه.
ونشرت الصحافة الإسرائيلية أن رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو وبّخ رئيس الوفد الى باريس، رئيس الموساد ديدي بارنيع، معتبرا أنه لم يبد “التشدد المطلوب” أمام الأميركيين والوسطاء. وإذا لم تكن تلك إشارة كافية، فقد زاد نتنياهو الأمر تعقيدا بطلبه إن يتم إبعاد المحررين الفلسطينيين ضمن الصفقة، إذا أُبرمت، إلى قطر.
ونافس وزير المالية بتسلئيل سموتريتش نتنياهو في التطرف، معلنا أنه سيصوت ضد الصفقة إذا كانت مطابقة لما نشرتها وسائل الإعلام أو شعر انها ستقود إلى انهاء الحرب.
وبحسب “القناة 12″، فإنه بعد عودة الوفد من باريس، طالب نتنياهو بترحيل المحررين “الوازنين” الذين سيتم إطلاق سراحهم ضمن الصفقة إلى قطر. بالإضافة إلى ذلك، أعاد نتنياهو تقييد تفويض الوفد الذي سيذهب إلى الجولة التالية في قطر، وحصره بـ مناقشة القضايا الإنسانية. ويتناقض هذا التقييد مع طلب الإدارة الأميركية التي ضغطت من أجل أن يحصل الوفد الإسرائيلي على تفويض واسع.
وقد دفع ذلك كلّه بعض المسؤولين الإسرائيليين إلى اتهام نتنياهو بأنه “يحاول نسف الصفقة لاعتبارات حزبية”.
ولم يكتف نتنياهو بكل ما سبق، بل أعلن في مقابلة مع شبكة “سي بي إس”، أن “إسرائيل ستعمل في رفح، حتى لو كان هناك اتفاق”. واعتبرت مصادر إسرائيلية مطّلعة على تفاصيل المفاوضات أنّه “في هذا الوقت، وقبل رد “حماس مباشرة”، كان لا بد من الحفاظ على الغموض، فهذه التصريحات تخرج المفاوضات عن مسارها”.
واتهمت المصادر نتنياهو، وفق “القناة 12″، بأنه، نظرا للظروف السياسية الداخلية ” ليس مهتما بالصفقة”، وبأنّه “يناور لنسف المفاوضات وسحب المطالب في اللحظة الأخيرة”.
من جانبها، ذكرت “القناة 13″، أن نتائج قمة باريس الثانية لم تعجب نتنياهو الذي وبخ رئيس الموساد وقال له: “ليست هذه هي الطريقة التي تدار بها المفاوضات، يجب أن تكونوا صارمين”.
وقد عقب ديوان نتنياهو على الخبر قائلا إن “التقرير غير صحيح بالأساس. بين رئيس الوزراء ورئيس الموساد هناك حوار مهني وموثوق وجيد، يقوم على الشراكة المتبادلة ووحدة الهدف”.
وأفادت تقارير أن هناك خلافا بين المسؤولين الإسرائيليين حول سبب هذا التوبيخ، حيث قال المسؤولون الإسرائيليون إن الأمر يتعلق بنقاش حول حجم المساعدات الإنسانية التي ستسمح إسرائيل بدخولها إلى القطاع. في المقابل، وكما أفادت التقارير، فإن نتنياهو طلب كشرط للتقدم في المفاوضات، معرفة أي من المختطفين الإسرائيليين مازالوا على قيد الحياة.
وفي مقابلة مع شبكة “سي بي إس”، عبّر نتنياهو عن حذره في ما يتعلق بالاتصالات مع حماس معتبرا أنّه “ليس من الواضح بعد إذا كانت قد تخلت عن مطالبها الوهمية. إذا نزلت إلى مكان معقول – فسيتم التوصل إلى اتفاق”.
أضاف أنه سيعقد جلسة لمجلس الوزراء خلال الأسبوع الحالي لإقرار الخطط العملياتية لطرد كتائب “حماس” من رفح، مؤكدا أن “العملية العسكرية في رفح ستنفذ، سواء كان هناك اتفاق مع حماس أم لا”. واعتبر أنه إذا شنت إسرائيل هذه العملية، فإنها ستكون قادرة على استكمال مرحلة المناورة البرية خلال أسابيع، وليس أشهر، زاعما أن هناك أربع كتائب لحماس في رفح، ومشدّدا على أنه “لا يمكننا أن نترك المعقل الأخير لحماس، يجب أن نفعل ذلك”.
كما تطرق نتنياهو إلى القلق المصري بشأن العملية في رفح، وذكر أنه “ليس في نية إسرائيل دفع اللاجئين إلى عبور الحدود إلى سيناء”، مضيفا “أعتقد أن المصريين يعرفون جيدًا أن هذا ليس هدفنا. وهذه لن تكون النتيجة. نحن ننسق معهم. نتحدث مع المصريين طوال الوقت. ولهذا السبب لا أعتقد أن هناك مشكلة حول اتفاق كامب ديفيد”، مضيفا أن “العلاقة بين إسرائيل ومصر تخدم مصالح البلدين، وستستمر في خدمة مصالح البلدين. لا أعتقد أنها في أي خطر”.
من جهة أخرى، كتب المراسل العسكري لصحيفة “هآرتس”، عاموس هارئيل، أن كابينت الحرب في إسرائيل أجرى مساء السبت نقاشا هاتفيا، تم خلاله تقديم خلاصة للمحادثات في باريس، “ولكن الاختبار الحقيقي بالنسبة لنوايا رئيس الحكومة سيكون في سلوكه العلني. هذا الفيلم شاهدناه في السابق، في قمة باريس السابقة قبل شهر تقريبا”.
وأوضح أنه “في تلك الجولة لم يكن نتنياهو يرغب في الاتفاق، وبحث عن طريقة للتنصل من الالتزامات المبدئية التي اعطاها للوسطاء. الحل كان بسيطا وهو سلسلة من التسريبات حول الطلبات المتشددة لحماس، وبعد ذلك أقواله المطلوب اقتباسها حول رفضه إطلاق سراح آلاف المخربين مقابل المخطوفين. سلوك نتنياهو جر، كما توقع ذلك مسبقا، تشددا إضافيا في مواقف حماس، فبقيت الاتصالات عالقة لثلاثة اسابيع تقريبا”.
من جانب آخر، انتقد سموتريتش بشدة المفاوضات الجارية لإبرام صفقة تبادل وانتقد نتنياهو بسبب الخطوط العريضة التي أعلنتها قمة باريس. وقال سموتريتش أن “المفاوضات تجري بطريقة وهمية”، وأن “الصفقة الجديدة يجب أن تكون أفضل بالنسبة لنا، سواء من حيث عدد الإرهابيين أو أيام الهدنة مقابل لكل مختطف. سأصوت ضد أي صفقة إذا كانت خطوطها العريضة كما نشرت.”
أضاف أنه “تبين أن الوضع عبثي، نحن نتوسل ونضغط، بأي ثمن وهنا والآن، و”حماس” تجلس على الحياد، والواقع هو عكس ذلك تماما. المنطق يقتضي أن تكون الصفقة المقبلة أفضل، لأننا سحقنا حماس أكثر، وعلى السنوار الآن أن يجلس في جحره وهو يشعر بالاستسلام والانكسار”.
ولم يكتف سموتريتش بذلك بل ذهب إلى القول “انظروا إلى مقدار الغضب الذي أشعلته الأسبوع الماضي لأنني قلت الشيء الأسلم من الناحية المنطقية (حين اعتبر أن استعادة المخطوفين ليست أولوية الحرب)، أقول إنني لا أعرف في أي عالم تعيشون. شعب إسرائيل يكشف عن نفسه بكل قوته. لكنهم يقولون إن الأمر الأهم هم المختطفون، قلت إنهم مهمون، ولكنهم ليسوا الأهم. أنا واحد من القلائل الذين لديهم الشجاعة لقول ما تعتقده غالبية الجمهور، والهجوم ليس ضدي، بل ضد الجمهور الذي أمثله بأكمله “.
إلى ذلك، كتبت شيريت افيتان كوهن في “إسرائيل اليوم” أن “الولايات المتحدة تضغط على كل الأطراف للوصول الى الصفقة قبل شهر رمضان، وذلك كما يعترف كل من هو معني بالموضوع في إسرائيل في الأسابيع الأخيرة. ويأتي الضغط الأميركي لأغراض داخلية – فوقف النار وإعادة المخطوفين سيخلق بعض الهدوء لدى قاعدة جماهيرية ما، هناك في القارة الشمالية. ”
أضافت أن “المُطالَب بتوفير ذلك هي قطر. أساس الضغط توجهه الولايات المتحدة الى الدولة ثنائية الوجه التي تشكل المحور الأساس لحماس. لكن اسرائيل هي الأخرى توجد تحت كماشة ضغوط. فمنذ أسابيع ومسؤولين كبار في إسرائيل يدعون بان بايدن يحاول ان يدفع نحو صفقة تؤدي حتى ان لم يكن الى اعلان منذ البداية – الى نهاية الحرب”.
وكان مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان قد أعلن أن كلا من الولايات المتحدة ومصر وقطر وإسرائيل قد توصلت إلى تفاهم بشأن الخطوط العريضة لاتفاق تبادل الأسرى. وكان ذلك التأكيد الرسمي الأول من إدارة بايدن بأن هناك خطة جديدة.
أضاف سوليفان أنه “تم تقديم الخطوط العريضة للصفقة، وهناك محادثات بين كل من مصر وقطر وحماس الآن ونأمل أن نتمكن في الأيام المقبلة من التوصل إلى اتفاق”، موضحا أن بلاده “تريد أن ترى هذه الصفقة كاملة، وعودة الرهائن إلى ديارهم والوقف المؤقت لإطلاق النار. نقول للجميع، بما في ذلك إسرائيل، إن موقفنا هو أنه يجب بذل كل جهد لإتمام هذا الاتفاق”.