إخجل… لا تدعي أنك تعرف. أنت تجهل من أنت. تجرأ ولو مرة أخيرة. إسأل المرآة من تكون. هل هذا أنت؟ إن كان ذلك كذلك، فأنت مرتكب. أو، أنت من سلالة الارتكاب. لا يعقل أن يكون لبنانك بهذا الخزي. إنه ليس مخلوقاً طبيعياً أبداً. هو ينوء بك. بكم. كيف تطيق نفسك وأنت الأنيق، لفظاً، تنحدر الى الأسفل الذي لا قعر له. لبنانك ينوء بك. لا تتبرأ من مسؤوليتك. افتضح الآن. أنت، وأنتم أمثالك لستم أبرياء. لا تغسلوا أياديكم. ما قمتم به في ماضيكم وحاضركم يجب أن يموت، أو هو مرشح للطلقة الأخيرة. إخرج من عباءة براءتك. الكذب فضيلة الجبناء لحماية إقامتهم في الخطأ… اسمعني جيداً: هذا هو لبنانكم أنتم وحدكم. من دونكم. كان يمكن أن يكون وطناً.
إخجل… قف أمام المرآة جيداً. إسألها إن كنت أنت لا شبيه لك. عبث. المرآة صادقة. لقد كشفتكم كلكم. عرفتكم لتشابهكم. اللوثة التي تلطخ جبينكم، هي عنوان إقامتكم في العراء الأخلاقي. لبنانكم هو الإبن الشرعي لعريكم الوطني. كفوا عن كيل الشتائم لمن نصبتموه نصاباً علينا جميعاً. حلقة النصابين من ارتكابكم. بنيتم كياناً على الخطأ. تمسكتم بالأخطاء دائماً. كتمتم الشنيع فيكم، وتباريتم في كيل المدائح للذبائح. هناك أخطاء لا تغتفر. أخطاؤكم لا تغتفر أبداً. إعترفوا. الإعتراف إغتسال من الإرتكاب. تاريخكم شرور، بل شروركم لا متناهية… أما بلغتم بعد النهاية؟ لبنانكم راح. خلص. “بح”. ما بقي منه ثقيل، سميك، عفن، مدين، خراب، نتن، سافل، مريع… مرتع مؤلم لمن يحلم برغيف، بكتاب، بغد قريب، بنوم مؤلم، بطعام نادر، لبنانكم شحاد، متسول، يبخل عليه الجميع، يعرفونه جيداً. خسر كل أوراقه على طاولة القمار الطائفية والسياسية. استدانوا ليراهنوا. كسبت الطوائف وخسر “المؤمنون”. إنهم يستحقون هذا الإفلاس والإنهيار.
إخجل … لماذا لا تجيب؟ لم تعد المرآة تطيق وجهك. ووجهك نموذج حقير لوجودهم. تطلع جيداً بصورتك. قرف المرآة واضح. تشير إليك بالرحيل. تريد وجوهاً تشبه الصباح. أنت العتمة. أنتم الخطأ. أفدح ما ارتكبتموه، أنكم خنتم أنفسكم. من يخون نفسه يخون بلاداً… أنتم الخطر الدائم. لم تستسلموا إلا للكذب والسفالة. اخترتم أن تكون جباهكم نعالاً في أقدامهم، لقاء حفنة من الولاء الحقير. هل تعرفون من أنتم؟ أنتم العقاب الذي نفذتموه بالناس الذين يقدسون عرق جبينهم، ويحترمون مراتع رؤوسهم، ويأكلون خبزهم بكرامة وأباء، لبنان هؤلاء تم اغتياله علناً. على مدار عقود، وجعلوه نموذجاً تحتذيه القراصنة، وأنظمة السرقة، وثعالب المؤسسات…
إخجل… قل كم عمرك الآن. كم أعمار قبائلكم التي تأتمرون بإرادتها؟ المرآة تحسب جيداً. عمركم مئة عام. لم تفعلوا سوى ما افتعلتموه من اجتهادات عصماء، ترى في السرقة شطارة وبطاقة عبور إلى السلطة السهلة. لم تتمكن أي عقوبة أن تصيب قاتلاً، أو فاسداً، أو سياسياً، أو مرجعية، أو نصَّاباً، أو مهرجاً طائفياً، أو عميلاً مفضوحاً، أو قاتلاً باسلاً، أو حثالة في مواقع الصدارة: رئاسة ونيابة وقضاء وأمنا وصناعة ومالاً وزراعة و … لا مجال لتعداد الإرتكابات سِجِل “ماريكا” السياسي حافل بجماعات الحبل، بكل الدنس العلني والسري. هل هذا الكلام معيب؟ الكلمات بريئة جداً. الكلمات لا ترتكب… فلتسكت عما تبقى. عيب. لا أجرؤ على الفداحة. أُفضل الحزن على الأنقاض، من الإحتفال بالسقوط… أحياناً، يراودني الإنتقام. أفتح قاموس الشتائم، فلا أجد ما يكفيني، لأن سلالة ماريكا، مليونية أولاً، ومحمية دائماً، ولها نفوذ من “فوق، إلى تحت”. فكن عاقلاً أيها القلم، ولا تكن بذيئاً.
إخجل… إبتعد عن صورتك في المرآة. حاول أن تقنع المرآة بصورتك الأخرى. صورتك الأولى، يوم كنت إنساناً. يوم كنت حراً. يوم كنت عقدت قوامك على الأفق، يوم انتميت إلى الحرف والكلمة والكفاف. يوم حلفت على العفة المالية والذمة الأخلاقية… حاول أن تندم. قل لمرآتك فعل إيمانك بالحرية والإنسانية والعدالة والحكمة ومعاقبة المرتكبين. قد تصدقك المرآة. لم يفت الأوان بعد. دائماً هناك غفران للصادق. كن صادقاً. لبنان الخديعة والمخدوع والخادع مرمي على أرصفة العالم، ولا أحد يلتكش به بحذائه. كشفوه حلة ونسباً. عرفوه جيداً. إنه حافل بالقديسين الأشرار. بالمراتب المهينة والمهانة. شهادات دول الغرب ملغومة وكاذبة. لا تصدقوهم. أنبياء كذبة… تراجع قليلاً. أعد قراءة لبنانك من الألف. إنه يستحق أبجدية جديدة، غير تلك الأبجدية الفينيقية أو الإسلامية أو المسيحية أو الغربية… كل هذه الأبجديات محوَّرة ومزورة. لبنان كان ضحيتها.. صدقني. لم يفت الآوان بعد. المرآة تنصحك باستعادة تقاسيم روحك الطيبة وعقلك الذكي وإرادتك النبيلة واستغلالك الناجز… بحلق جيداً في مرآة وجهك. أعد رسمه بإبتسامة مؤلفة من طبقات التفاؤل والصدق. إذا لم تكن كذلك، إضرب المرآة بحذائك، واختر أن تكون لبنانياً رخيصاً، لا تساوي قمامة.
لم يخجل. ترك المرآة. ومضى إلى ماضيه الذي هو مستقبله المفلس. وغامرت أخيراً، وحدقت في المرآة جيداً. كنت أريد أن أعرف من أنا. أغلقت المرآة عينيها، فعرفت، أنني أنتمي إلى جيل من الكلمات، وأنني مجرد جملة بلا أفعال… فتشت في ذاكرتي عن إنجاز ما، ففشلت. عندها عرفت، أنني سأكون مسؤولاً عن موت بلدي… ومثلي كثيرون.
خجلت من نفسي. وتبرعت بالندم. ورحت أردد قولاً مأثوراً: “الخبز ديانة الفقراء والمحرومين وليس الآيات ولا الكلمات”. أخيراً وجدتها. افريكا افريكا. إني أنتمي إلى ديانة الفقراء. آمين.