غزة ـ حلمي موسى
في اليوم الثاني عشر بعد المئة، تتطلّع الأنظار إلى لاهاي والجلسة المقرّرة بعد ظهر اليوم، وكلّها أمل بقرار من محكمة العدل الدولية ينتصر لشعبنا الصامد وحقوقه، ويلجم العدوان، ويأمر بوقف مقتلة شعبنا والمجازر الدائرة بحقه.
**
والفلسطينيون في غزة، الذين يتعرّضون لحجم غير مسبوق من الإجرام الصهيوني ضد البشر والحجر، يرون الدعم الغربي لهذا الإجرام، وعجز الباقين عن لجمه. وبسبب إيمانهم بحقوقهم ومقاومتهم، كانوا ينتظرون من المحافل الإقليمية والدولية موقفا أقوى ضد العدوان.
وعندما جاءتهم النصرة الدولية من جنوب أفريقيا، دولة مانديلا، التي كانت، إلى جانب روديسيا (زيمبابوي)، عنوان الفصل العنصري، بلغت آمالهم السماء، لأنها الدولة الوحيدة في العالم التي كان لقرار المحكمة الدولية بالغ الأثر في وقف الإبادة الجماعية فيها، وفي المقاطعة الدولية التي قادت الى تفكيك النظام العنصري.
ومن البديهي أن أمل الشعب الفلسطيني، ومن خلفه الشعوب العربية وكل أحرار العالم، كبير في أن تقود المحكمة الدولية العالم الى فضاء الحق وتأمر بوقف العدوان.
ولا يعني ذلك أن تجاهل حجم الألاعيب الصهيونية، ونصرة كثير من القوى الغربية لها، وتأثير واشنطن على موقف بعض قضاة المحكمة. ومع ذلك، فإن مجرد تبنّي جنوب أفريقيا للقضية تعني للعالم أجمع أنها، وهي الضحية الأبرز في عالمنا المعاصر للتفرقة العنصرية، تتبنى قضية محقة لمنع استمرار جلاد في إبادة جماعية لضحية أخرى.
وفي البعد السياسي، ثمة من يعتقد أن هناك وجهة مقابلة بعيدة عن مشاعر الضحية وأنصارها والمتفائلة باتخاذ قرار احترازي واضح وقاطع، يوقف المعتدي عند حدوده.
إذ هناك من يرى أن تأثير السياسة الدولية على قضاة المحكمة لن يقود إلى قرار واضح يتهم إسرائيل بالإبادة الجماعية، كما أنه لن يقود إلى قرار واضح ينكر ذلك.
ويقدّر هؤلاء أن يلجأ القضاة، بغالبية الأصوات، إلى نوع من القرار الوسطي يعتبر جرائم الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة جرائم يمكن لاستمرارها أن يقود إلى الإبادة الجماعية، ويأمر بوقف إطلاق النار لمنع استمرار الجريمة. و
حينها، لن يكون القرار نابعا من البند الذي يجعل قرار المحكمة الدولية ملزما من ناحية القانون الدولي، ويبقيه في موضع الرأي الاستشاري الذي يمكن للدول أن تأخذ به او لا تأخذ به.
ولكن جنوب افريقيا، التي صاغت دعوتها ومطالبتها بقرار احترازي بوقف النار بناء على بند الإبادة الجماعية، لا تريد قرارا يكون رأيا استشاريا وإنما تريده قرارا ملزما كي يغدو نافذ المفعول دوليا.
من جانبها، تعلن اسرائيل جهارا أنها لن تلتزم بأي قرار ملزم، وهي تؤمن أن قرار المحكمة سيحال حينها إلى مجلس الأمن الدولي حيث تملك واشنطن حق النقض أو الفيتو.
ولكن، وحتى لو صدر القرار كرأي استشاري، فإن كثيرين يعتبرونه انتصارا للحق الفلسطيني وخسارة مدوّية لإسرائيل وإن كان على صعيد الرأي العام العالمي فحسب. ومن هذه الناحية، يعتبر أثر القرار على إسرائيل محدودا، وهو يضاف إلى سلسلة طويلة من القرارات الدولية التي تدينها، والتي لم تلتزم بتنفيذها.
ويتوقع بعض الخبراء أن تتجنب المحكمة في قرارها تبني أي من الموقفين، الجنوب أفريقي أو الإسرائيلي، وأن تطالب إسرائيل بالالتزام بالقانون الدولي وتجنب المس بالمدنيين او معاقبتهم جماعيا وان تحافظ بوضوح على مناطق آمنة وممرات إنسانية لتنقّل الأشخاص والمساعدات الإنسانية.
.. ساعات قليلة تفصلنا عن القرار الاحترازي، وكلنا أمل ان يكون واضحا وقاطعا ويخلق سابقة دولية في مواجهة العدوان الاسرائيلي.