غزة ـ حلمي موسى
في اليوم الرابع والأربعين بعد المئة، ونحن نقترب من هدنة نأمل أن تقربنا من تحقيق أهداف شعبنا في الحرية والاستقلال، كلنا أمل ألّا تضيع تضحيات شعبنا الكبيرة. فلا سبيل أمامنا سوى الوحدة.
***
بدا أمس وكأن المعركة بين إسرائيل وبين حزب الله دخلت مرحلة جديدة مع امتداد الغارات الإسرائيلية إلى بعلبك من جهة، ونجاح حزب الله في إسقاط طائرة إسرائيلية من دون طيار، وفي إرسال طائرة من دون طيار إلى عمق فلسطين المحتلّة من جهة ثانية. وبالرغم من أن استخدام حزب الله لصواريخ مضادة للطائرات ليس جديدا على الإطلاق، إلا أن نجاحه هذه المرة في اسقاط طائرة إسرائيلية من طراز “هيرميس 450” يشي بتغير جوهري ما.
ويأتي هذا التغيير في ظل تصعيد وزير الحرب يؤآف غالانت لتهديداته، وارتفاع في تبجح رئيس الأركان وقادة عسكريين آخرين.
وكان وزير الحرب قد زار قيادة الجبهة الشمالية لجيش العدو، وأعلن أن جيشه سيواصل مهاجمة حزب الله حتى يرغمه على الانسحاب من الحدود. ويأتي كلامه ضمن سلسلة من التهديدات التي تهدف أساسا للضغط على الوسطاء الأميركيين والفرنسيين لتحقيق إبعاد قوات حزب الله عن الحدود إلى ما وراء الليطاني.
وذكر غالانت، أثناء تقييمه للوضع في مقر القيادة الشمالية أمس، أنه ينوي زيادة كثافة النيران ضد حزب الله في لبنان مضيفا “سنستمر حتى هزيمة حزب الله بالكامل وعودة السكان (في مستوطنات الشمال) إلى منازلهم”. لكنه، في الوقت ذاته، لم يستبعد إمكانية انسحاب الحزب إلى شمالي الليطاني عبر الوسائل الدبلوماسية.
وكرر تهديده بأنه ينوي مواصلة مهاجمة حزب الله، بغض النظر عن صفقة الرهائن التي يمكن أن تشمل وقف الأعمال العدائية في قطاع غزة، معتبرا أنه “إذا كان هناك من يظن أنه عندما نتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن في الجنوب، ويتوقف الحريق مؤقتا، فإن ما يحدث هنا سيهدأ، فهو مخطئ.”
ويأتي التصعيد الميداني عند جانبي الحدود، أمس واليوم، مع إسقاط طائرة “هيرميس” الذي يعدّ حدثا هاما ليس لأسباب عسكرية بحتة وحسب، وإنما أيضا لأسباب اقتصادية. فهذه الطائرة تعتبر “فخر” الصناعات العسكرية الإسرائيلية، وهي العمود الفقري لعالم الطائرات من دون طيار الإسرائيلية والتي تتكون من أنواع عدة، وهي من بين أهم صادرات إسرائيل العسكرية إلى العديد من الدول وبينها دول أوروبية.
وطائرة “هيرميس” متوسطة الحجم، يبلغ طولها ستة أمتار، وطول جناحيها عشرة أمتار. وبالرغم من أن الطائرة هي في الغالب ذات استخدام عملياتي تكتيكي، إلا أنها تستخدم أيضا لأغراض إستراتيجية بسبب مداها وعدد الساعات التي تستطيع البقاء فيها في الجو.
ونقل موقع “والا” عن مراسليه أن الغارة الإسرائيلية على بعلبك جاءت ردا على اسقاط طائرة “هيرميس”، معتبر أنها ” الغارة الأعمق ضمن الأراضي اللبنانية، وهي تحدث للمرة الأولى منذ بداية هذه الحرب، كما أنها الغارة الأولى شرقي البلاد منذ حرب 2006.”
وأوضح الموقع إلى أن حزب الله أطلق صاروخين على الطائرة وأن منظومة “مقلاع داوود” اعترضت أحدهما ولكن الثاني أسقط الطائرة.
وفي مقابلة إذاعية مع “إف إم 103″، قال القائد الأسبق لسلاح الجو الإسرائيلي الجنرال إيتان بن إلياهو أنه “منذ البداية ميزنا بين غزة وبين الشمال، وقلنا إنه لدينا حرية طيران كاملة في غزة، أما في الشمال، فالأمر موضع علامة استفهام وسيتضح شيئا فشيئا”.
أضاف: “لذلك، وفي الحدود التي فرضها الطرفان على نفسيهما شمالا، لم نشهد مثل هذا الحدث حتى الآن. من حيث المبدأ، ومن وجهة نظر فنية، يمكن إسقاط طائرة بهذا الحجم أو طائرة بدون طيار بهذا الحجم من هذا الارتفاع. والمثير للاهتمام هو أنه على الرغم من كل هذا التدهور، فإن رغبة الجانبين في تجنب التدهور الشامل لا تزال تبقيهما ضمن القيود الأساسية”.
ولكن المعلق العسكري لموقع “يديعوت أحرونوت” رون بن يشاي اعتبر أن إسقاط الطائرة والغارات الإسرائيلية وقصف الجولان ومستوطنات الشمال بالصواريخ هو شدّ للحبال يمكن أن يقود إلى تدهور الوضع شمالا.
وكتب معتبرا أن “إسقاط طائرة إسرائيلية من دون طيار من طراز هيرميس، واغتيال مسؤول كبير في حزب الله في جنوب لبنان، وغارات جيش الدفاع الإسرائيلي في بعلبك، والقصف غير المعتاد على الجولان: هذه الأحداث، التي تبدو مألوفة وكأننا شهدناها في الماضي، يمكن أن تتفاقم لتصل إلى تصعيد غير مرغوب خلال المفاوضات الجارية بشأن صفقة التبادل”.
واعتبر بن يشاي أن عناصر التصعيد هي بمثابة “مؤشرات كلاسيكية على سلسلة من الأحداث التي، حتى لو لم يقصدها أي من الطرفين، يمكن أن تتحوّل إلى تصعيد كبير. إن تصعيداً كبيراً تكون نتيجته التدهور بسبب سوء تقدير أحد الأطراف، يمكن أن يؤدي إلى حرب في الأجواء المتفجرة حالياً على الساحة الشمالية.”
ورأى بن يشاي أنه من وجهة نظر إسرائيلية، فإن اسقاط الطائرة حدث يتطلب رداً خاصاً، لأنه يشكل سابقة لمحاولات حزب الله الحد من حرية التحرك الجوي لجيش العدو في الأجواء اللبنانية. “ولذلك، في الواقع، كان الرد الإسرائيلي أيضاً غير عادي.”
وبحسب العدو، فقد هاجم سلاح الجو منشآت الإنذار والسيطرة الخاصة بنظام الاعتراض الذي يملكه حزب الله في لبنان، والذي يتضمن أيضاً صواريخ أرض جو من طراز SA6 SA8 وغيرها وهي سوفياتية الصنع، أعطتها سوريا لحزب الله.
لكن هناك من يعتبر أن “موقع الهدف الجغرافي هو المقصد الرئيسي: فبعلبك هي عاصمة منطقة بلدات وقرى شيعية في وادي لبنان، وحتى لو أن الهجوم كان ضد هدف عسكري وليس مدنيا، وقُتل فيه عناصر من التنظيم، إلّا أنه يبعث برسالة إلى الطائفة الشيعية مفادها أنه في حال حدوث تصعيد من جانب حزب الله، فإن معقل الطائفة نفسه، التي يشكل أبناؤها الآن الغالبية الديموغرافية في لبنان، ليس بمنأى عن الهجوم الإسرائيلي. وأنّه إذا حدث تصعيد، فإن إسرائيل لن تتردد في المس بالقلب المدني للطائفة الشيعية، التي ينتمي إليها أعضاء حزب الله ويعتبرون حماتها.”
لذلك، “ليس من المستغرب أن يكون رد حزب الله على الهجوم الذي وقع في قلب المنطقة الشيعية في وادي لبنان، على بعد حوالي مئة كيلومتر شمالي المطلة، هو إطلاق أكثر من أربعين صاروخاً وقذيفة على المستوطنات في هضبة الجولان. ربما تم اختيار قصف مرتفعات الجولان لأنه لم يتم إخلاء مستوطناتها، وكان من الممكن في حال أصاب وابل من صواريخ حزب الله إحدى هذه المستوطنات، وقوع خسائر في صفوف المدنيين الإسرائيليين”.
بدوره، اعتبر آفي يسخاروف في “يديعوت أحرونوت” أن “الهدف من الغارة غير المعتادة على بعلبك هو إرسال رسالة حول استعداد إسرائيل للحرب ضد حزب الله، مشيرا إلى أنه “في كل يوم يمر تقريبا، نعبر خطا آخر، حدودا أخرى، في الصراع العنيف والخطير بين إسرائيل وبين حزب الله. وإذا كان يبدو في بعض الأحيان أن الجانبين لا يريدان حقاً حرباً شاملة، فإن حوادث الحرائق المسجلة اليوم بين الطرفين تثبت مدى هشاشة الوضع في الشمال، ويمكن أن تؤدي بسهولة إلى حرب شاملة وشديدة التصعيد”.
وأعرب عن رأيه في أن الرسالة التي تحاول إسرائيل إيصالها “واضحة ومسموعة جيداً: نحن لا نتردد في استخدام المزيد من القوة، وإذا اضطررنا إلى ذلك فسوف نذهب إلى الحرب. لكن السؤال هو كيف سيكون رد فعل حزب الله؟ هل يرمش أولاً ويوافق على سحب قوات الرضوان من المنطقة الحدودية (في الواقع، معظم قوات رضوان قد غادرت هذه المنطقة بالفعل) ويوقف إطلاق النار ضد إسرائيل، أم أنه سيصعد الهجمات على الأراضي الإسرائيلية ليثبت أنه لا يخشى المواجهة؟”
أضاف “في المرحلة الأولى، وصل القصف الصاروخي الثقيل بعد ظهر (أمس) باتجاه هضبة الجولان. من الممكن الافتراض أنه إذا لم يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في غزة قريباً، فإن الوضع بين إسرائيل وحزب الله سوف يستمر في الاقتراب أكثر فأكثر من صراع شامل، واسع النطاق”.