انه لأمر مثير. حملة ضد التحرش الجنسي. طبعاً، ليس في لبنان، ولا في مصر ولا في أي دولة ظلامية عندنا. الجنس يُتداول عندنا، بأشكال مختلفة. التحرش شبه مفضوح، ولا أحد يتجرأ على الكلام. بلاد يغزوها التحرش الجنسي، وكأن شيئاً لم يكن. الضحية اوطان، في شكل امرأة منتهكة.
انه لأمر مثير جداً. ألحملة ضد التحرش الجنسي تجرأت على تسمية الاشياء بأسمائها، وعلى محطات التفلزة وفي الاذاعات وفي الصحف الورقية. حملة، دفعت نساءً ليكشفن عن متعهدين ومدراء ونافذين ورجال اعمال ومنتجي افلام ومروجي اغانٍ واساتذة مرموقين و…رجال دين ايضاً وأيضاً.
اصيبت الكنيسة الكاثوليكية في اميركا منذ عقد من الزمن. اختبأت في صمتها. التحرش كان فضيحة. اهتز الفاتيكان. نفى كرادلة ومنع كهنة ورهبانا. تعلمت الكنيسة أن غفران الخطايا ليس في اخفائها سراً، بل بالاعتراف فيها علانية.
أمس بالتحديد، تجرأت امرأة فرنسية على تسمية من تحرش بها وعنفَّها واغتصبها. ذُهل الكثيرون، الشخصية المعنية، ليست أيا كان. ليست شخصية سياسية متهتكة او متزمتة. ليست من عالم الفن والاعلام، حيث الشبهات كثيرة. انه شخصية فكرية لامعة، تبشر وتحاضر بعفاف الدين الحنيف، وضرورة الاعتدال، والابتعاد عن التزمت والوقوف في وجه التزمت السلفي. طارق رمضان، ليس أيا كان. هو من أسماء العلم التي تحظى بالاحترام، ومع ذلك، فقد ارتكب أفدح من التحرش.
كان ذلك على الملأ. اعطي حق الدفاع عن نفسه علناً. قال: هذه مؤامرة مدبرة. امرأة أخرى تجرأت على اتهامه. قال: هذه محاولة للنيل من سمعتي. القضية بيد القضاء. والقضاء في هذه الحالات ووفي اجواء الحملة، لن يرحم احداً.
في بلاد الحشمة والعيب، ممنوع على المرأة أن ترفع صوتها همساً. عيب. التكتم على الفجور منجاة، الافصاح عن العيب فجور ووقاحة، وتعريض السلم الديني لحروب كلامية. وسط هذا الكتمان، سوق التحرش الجنسي السري، يسير على قدم وساق. ولا يتجرأ أحد على المقامات، السياسية والدينية والادارية والاجتماعية والجامعية والتربوية والعائلية. مشَاع سري معروف، ممنوع التحدث عنه.
البعض يُفضل التكتم على هذه الفضائح، صوناً لعرض المرتكب، المحمي والممدوح والمتبوع. ثم، يكفينا فضائح. لدينا منجم لا ينضب. التعميم ضروري. التخصيص عاقبته وخيمة. لنتحدث مثلاً عن الكهرباء والسرقات والتعديات والتحرشات الفاضحة. لنتحدث عن العدالة الفخمة التي تنبت القصور، من دون أن يوجه اليها، “من اين لك هذا”. او فلنأتِ على سيرة الديون. أكثر من سبعين مليار دولار دين، منها ستون مليار دولار ذهبت نهباً ولصوصية. اياك أن تسمي احداً، مع انهم معروفون جيداً. الكتمان حكمة والافصاح جنون. لنتداول بالصفقات في نطاق الاتصالات، في الكسارات، في النفايات و… في قانون الانتخابات. هذه كلها وسواها، مؤسسة على النصب والاحتيال والاغتصاب. (ليس بالمعنى الجنسي، بل بالمعنى المجازي).
في بلاد “العفة الجنسية”، قصص وروايات يندى لها الجبين. مسكينة هذه المرأة العربية التي يعتدى عليها بفجور ويفرض عليها الصمت. أمة جبانة. إذا كانت تعف عن الاغتصاب السياسي وتداريه وتحرسه بعواطفها ومواقفها الطائفية والمذهبية، فأي قيمة للمرأة او الصبي، إذا ما تعرضا للتحرش الجنسي والاغتصاب؟ مثل هؤلاء، يعاملون كالنفايات الانسانية.
ماذا لو تجرأت امرأة على تسمية متحرش؟ ماذا لو تجرأ أحد على تسمية مغتصب سياسي ومالي وعقاري؟
لن يتجرأ أحد. في بلاد الحرام، لا حرمة، الا للحرامية.