الواقع كوميديا سوداء، لكن لا عيد للسخرية في بلادنا أنا مواطن المدينة البعيدة، أصفّق للدراما أسكن تحت شجرة نفسي، أراقب الموت يصبّ في مجرى القلب، حيث النهر عكّاز النهر والفوضى عكّاز النظام.
عزيزي المشترك في هذا الكوكب السعيد ماذا لو كُنّا أشدّ أنواع الجراثيم والفيروسات مقاومةً للعلاج؟
وكان كل ما هو مريعٌ في هذا العالم هو طريقة مناعة الكون في التخلّص منا؟
إننا الوحيدون الذين لا ننتمي لهذا المكان، ولكننا كشعب نفتقد إلى الفرح، ونجترّه حيث نجده، لا ذنب لنا في الحزن أبدا.
نحن مسلوبو الإرادة والمعرفة والخيار والاحترام الذاتي والحب لأننا خانعون، صامتون.
حيث اننا نحب الدين لأنه ما زال يفعم بالأمل ونحن يائسون، ومحافظون لأننا جائعون، لو ترفهنا لاخترعنا الليبرالية ولتاريخ لم يعد كافيا لنتوقع المستقبل، لسنا خلف التاريخ فقط، أصبحنا خلف الأبجدية والأعوام وتزايدها غير مهم هنا.
والحب يا صديقي وأقصد الحقيقي منه خطيئة هنا، كل ما يسمح باستمراره المجتمع هو أشباه الحب التي تؤدي إلى الطلاق،
لسنا عالة على العالم، بل على أنفسنا، يسرّ العالم وجود أكباش فداء مثلنا.
وهنا الصمت جارح، مثير للغضب، لكنه خير من الصلب، ونحن صلّابو قائلي الحقيقة.
جورج أورويل: “كلما جنحنا بعيدا عن الحقيقة احتقرنا قائليها”.
البلاد التي تفرضُ على قاطنيها، فكرة أن الكهرباء مكرمة، وأن الماء من النعم المؤجلة، وأن التدفئة، رفاهيةٌ لا تحق للعامة، هي بلادٌ قاسية، لا تستحق أن تذكرها حتى، هي البلاد التي تُمحى من ذاكرتك رغم أنك تكبر في جغرافيتها اللعينة.
لا تسقطوا عني إنسانيتي!
بل دعوني أسقط انتمائي، كما أشاء، أو إن صح التعبير كما أتمنى!
أريدُ انتماءً جديدًا، فيه أعتبر الموتَ بطريقةٍ وحشيةٍ دهشة،
انتماءً أرى من خلاله الجوع كفرًا، لا مرحلةً واجبة!
لا زلت أذكرُ يومَ كنا أطفالًا، وكانت المعلمات سنويًا، يوردن موضوع التعبير التالي، دعوة مغتربٍ للعودة إلى الوطن!
ألم تكن الدعوة كفرًا بحق الإنسانية،
أخي المغترب، تعال لنتبارى، من منا سيمسك رغيف الخبز الذي يجري، علبة السجائر التي تطير، من منا سيجمع الغاز الطبيعي برئتيه، ليشرب كأس شاي.
تعال يا أخي لنحلم، وليغتالوا أحلامنا، من منا شرسٌ اتجاه حلمهِ أكثر، من منا سيموت أولًا، أنت، أنا، حلمك، حلمي.
أيًا يكن، بسقوط أيٍ منا سنسقط جميعًا!
لم نعد نحلم في سورية، نحن نواري أحلامنا فقط، نحتفظ بهاة في زجاجاتٍ غير قابلةٍ للتلف، نتبادلها بيننا، كما يتبادل السيئون في بلادكم الكوكائين، بسريةٍ فاضحه، خوفًا من عينٍ متربصة، وخطٍ جميل!
بالحديث عن البلاد، أضعت حلمي سأبحث عنه لاحقاً.
ما أذكره أن الله هنا أغنية موسيقية، و أن الازدحام في البلاد دافئ.
وأن مكعب الماجي، مادة سحرية لخداعنا نحن معشر الرجال، سيما أن قلب الرجل بطنه.
حبيبتي تعطيني خبز يومي، وأنا أشكرها وأشكر الله، الذي ألهمها بهذه الطبخة.
كل شئ مرتب، البلاد رقعة الشطرنج، و نحن أحجار الشطرنج التي يحركها الله.
وعلى سيرة الله ،
أسماؤه كثيرة، هو السعيد، الذي فكر باختراع مادة البطيخ الصيفية.
السوريون يأكلون البطيخ والجبنة على مصطبة ما في حديقة حتى وان كانت ميته.
ألف ليرة لشراء سندويشة شاورما “لا تشبعَ ناظرها”، وأخرى للصعود بالتكسي، وأخرى من أجل إربع ربطات أندومي بنكهة الخضار،
البلاد الآن مهجورة، تعج بالموت المؤجل و الأكشاك!
يعيش في هذه البلاد أبناء الموتى واقربائهم وجيرانهم، هم أيضا موتى.
أحدثكم عن البلاد في اللحظة الراهنة،
الجرح التي تركته الحرب كبير “لم يلتئم بعد” نحاول حياكته بذاكرتنا عن سورية، وبدعاء الحجي،
الحجي في البلاد هو من تعرف على الوجه الآخر للبلاد ، فانكفأ و توجه إلى الله بصوته: “الله يفتحا عليك يا شب”.
دعاء الحجي الذي اتخذ من الجامع منزلاً له، لم يستجب له الله.
أخي المغترب، هل ما زلتَ تشتاق دمشق؟!، لقد نسيناها هنا، نحن نشم رائحته العفن فقط، العفن السياسي منه وليس الفطري، لكأنهم ألقوا بجثث أحلام السابقين في مياهها، أو هل لازلت تذكرُ العاصي، لقد تحول بدوره إلى ممر مجارير، كُل عين تذكرها قد جفت، وكل نهرٍ ترنوا لزيارته بات محملًا بالجثث، أما ولو كنت مشتاقًا للياسمين، فأنصحك بشراء عطرٍ يذكرك به، لا شيء هنا يستحق العودة يا أخي!
وإن كنت مشتاقًا للبشر الذين يشكلون هذه الجغرافيا فسفرنا يستر عرضك!