كتب نصري الصايغ:
ليس صعباً أن تجد مقعداً جديداً. لبنان ليس كما اعتدنا أن نراه. يكفي أن ننظر إلى الجهة الاخرى. أحذف لبنان المختل والمحتل، ترَ امامك شعباً يفيض حباً وحياة وصفاءً. الم تكتشف أمس ليلاً شعباً يصفق، ربما لأول مرة، لظاهرة انسانية فذة. خرجت الألاف عن صمتها. صدحت تصفيقاً لمن يستحقون أن تُقبل اياديهم واياديهن. الطاقم الطبي والاسعافي والتمريضي، امثولة باسلة في العطاء. لبنانيون ولبنانيات بأصالة انسانية فذة، بتفانٍ جريء، بعطاء فريد، بصمت متواضع، ببسالة صامتة. الذين واللواتي يواجهن الكورونا، هؤلاء الذين يهزمون الوباء، يستحقون أن تصفق لهم قلوبنا، وتحرسهم عيوننا. وتحفظ ذاكرتنا صورهم، وتكتب سيرتهم الحية. لا تضحية توازي مجازفتهم، وارادتهم في هزيمة الوباء,. ففيما نحن نختبئ في غرفنا، معقمين وخائفين، يتصدى هؤلاء للكورونا وجها لوجه. هذه ليست شجاعة فقط، هذه مهمة في غاية الخطورة. سلامة قلبهم. انهم يدافعون عنا، نحن المختبئين في خوفنا من أن نتعرض برغم الاحتياطات الحمائية.
ليس صعباً أن تجد قلماً آخر نكتب فيه عن لبنانيين ولبنانيات. من صنف انساني، لا نجده بالمرة عند اهل السياسة الرثة والخسيسة والمنحطة. هؤلاء لا يكتب عنهم حرف واحد,. إذا شتمتهم ظنوا أنك تمدحهم او تمزح معهم. خلص. دعوا الموتى يدفنون موتاهم. هؤلاء الاحياء، هم موتى عندنا، لان ضميرهم مات، وقلوبهم ماتت، وانسانيتهم حُذفت…غير وجهة نظرك، سترى أن لبنان الجميل موجود بين الناس الاحرار والشجعان، لا بين الاتباع من القطعان.
أخجل أن اقول فقط، شكراً للصفوف الامامية التي تدافع عن كل اللبنانيين، ضد الكورونا. لا بد من تسجيل ذلك، لتدريسه لأجيال اللبنانيين، فلا يظلون طلاباً يحفظون صور وتاريخ زعامات خائبة ومنحطة وسخيفة.
انهم ليسوا وحدهم. لكنهم الطليعة. انما، كي ترى جيداً، عليك أن تغير مقعدك ووجهة نظرك. تلفَّت حولك ستجد رجالاً رجالاً، ونساء نساءً، يقومون ويقمن بأعمال لائقة بإنسانيتهم، وهم كثر جداً.
ملحم خلف واحد من كثيرين جداً، يقيمون في المقلب الثاني من لبنان. لبنان اللائق. الخالي من بعوض وحشرات السلطة ومن معها ومن فيها. نقابة المحامين التي كانت لا تشبه نقابة اليوم. ملحم خلف، الذي التزم القيام بواجبه النقابي والوطني، صار نموذجاً. هو القادم من “فرح العطاء”، إلى العطاء الجسيم بفرح الانجاز.
وهو ليس وحيداً. لقد قدم نزار صاغية نموذجاً آخر. هو واحد بصيغة الجمع. مفكرته القانونية، مبدئيته، تضعه في مصاف الشجعان الذين يقومون بواجب المواطنة، ببسالة الصدق وشجاعة الموقف ودقة المرجعية القانونية. ونزار ليس وحيداً ابداً. لقد عرفنا في أزمنة الانتفاضة، رجالاً ونساء، شبابا وصبايا، صغاراً وكباراً، يلزم الانحناء لجرأتهم وصدقهم وايمانهم وتجردهم. هنا اتذكر نايلة جعجع وزميلات لها، كنَّ في طليعة المواجهة. اتذكر دارين دندشلي، لجرأتها في الساحات، بلا حساب، نعمت بدر الدين المعجزة. من أيضاً؟ مئات بل آلاف، بل عشرات الآلاف. هؤلاء كانوا خط الدفاع ضد كورونا السلطة الفاسدة.
لبناننا هذا، لا يشبه لبنانهم.
إلى الذين خرجوا إلى الشرفات ألف شكر وتحية.
والى الذين صفقنا لهم ولهن، نقول: أنتم وأنتن الدرس الذي سنحفظه منكم، ونعلمه لأولادنا واحفادنا.
هكذا شعب، يليق بهم لبنان الجديد، اما لبنانهم، فرائحته نتنة كرائحة ارتكاباتهم. والمستقبل، لمن ينتظر أن تشرق الشمس من جهة الشعب… وستشرق حتماً.
ماذا نقول للحكومة؟ لا شيء نقوله البتة. الصمت فضيلة، والاهمال واجب. اتركوها. نعم اتركوها. لا رجاء منها الا ممَّن خلفها، “ولا ممن خلَّفوها… يا حرام”… اتركوها.
وبانتظار نهاية الكورونا نعدكم: إننا عائدون.