فلننظر إلى المسألة بجدية: العرب يحكمهم الأموات. الأموات، احياء يُرزقون. الحاكم العربي حي يرزق حتى آخر رمق من شعبه.
الجزائر، ليست وحيدة. بوتفليقة نموذج لمسرح اللامعقول. انه يثير النواح والأسئلة. انه ميت من زمان. اشقاؤه الملوك والرؤساء، اموات على عروشهم يُرزقون.
لا مبالغة البتة. سياحة قصيرة في قصور الحكام في الجزيرة العربية. مع دليل زمني، يعاين كيف لا يموت الحكام، الا بأمر من الله: ملوك حتى الممات. كل مملكة أو امارة او سلطنة، مصانة حتى النفس الاخير. الشعوب تسير على ايقاع سياسي منضبط: الحكم بيد الله، و”السلطة من فضل ربي”. كثيرون من الملوك والامراء ماتوا، بعد آخر عمرهم البشري بسنوات. على هذا المنوال، تنتقل السلطة من الاباء المزمنين الشائخين، المصابين احيانا بالخرف وانعدام الوعي، إلى الوريث الذي سيحكم حتى يموت… ربما لا استثناء لهذا القانون. ولا يشكل مشكلة ابدا عند الدول الغربية، الراعية للديموقراطيات ودرجة تطبيقها.
الحاكم، خارج دول الخليج الخالدة، منتخب من شعبه بنسبة لا تنقص صوتاً عن 99 في المئة. وهو لا يقبل الرئاسة من دون تجديد البيعة عبر صناديق الاقتراع بالانصياع. قبل “الربيع العربي” اليتيم، كان العراق وكانت سوريا وكانت مصر وكان السودان وكانت ليبيا وكانت الجزائر، تنتظر تدخل الله، وهو تدخُلّ متأخر دائما، كي تتبدل الاحوال. وفي كل الاحوال كان الابناء يرثون الآباء. حكامنا لا يموتون ابداً. هم باقون إلى ما بعد مماتهم.
أمة عربية واحدة، ذات ميتة خالدة. شعار واقعي جداً. لم ننتبه من قبل، اننا امة الهية. مصيرها بيد آلهتها، السماويين والأرضيين. حتى لبنان، لا يشذ عن القاعدة، الا قليلاً، وتحديداً في انتقاء رئيس للجمهورية، وما عدا ذلك، فرؤساء الحكومات والمجالس النيابية واللوائح الانتخابية فهي املاك عائلية خاصة، تورث ابا عن جد إلى احفاد.
المشكلة برمتها، ليست سماوية ابداً. لا دخل للسماء وآلهتها وانبيائها وملائكتها في مصائر الشعوب. لدى العرب ادمان على الخضوع وانعدام الأفق. انهم واثقون بأن “الله غالب”، وليس مصيرهم من صنع ايديهم. في ثقافتهم، تسود الاتكالية وتنعدم المجازفة وتقتصر السياسة على الرفض. الديمقراطية، ركيزة السلطة الحديثة، ليست على ما يرام. الاحزاب ضعيفة إلى درجة مؤلمة.
فلننظر إلى هذه الشعوب بجدية. مشكلتها ليست في ملوكها وامرائها ورؤسائها الابديين. المشكلة أن الشعوب العربية لا تزال تعيش عيشة اهل الكهف. أقصى ما تصل اليه، التذمر والقرف والاستقالة. وإذا قررت أن تخوض معركة التغيير، فليس امامها غير الالتجاء إلى الإسلام، فتسيسه ونحوله إلى غول بربري متوحش، يدفع الاكثرية إلى حماية السلطة، كجهاز حاكم ومتحكم، وليس كملك او امير او سلطان.
بكل جدية. المسألة ليست في كون السلطة برعاية الله، بل، لأن هذه السلطة، هي طغمة فعلية، شبيهة بتنظيمات المافيات الحاكمة من خلف الستارة. وهذه الطغمة بحاجة إلى واجهة تختبئ خلفها. وليس أفضل من واجهة “الاتكال على الله”، الذي يحرس الملك او الرئيس، ويرفعه إلى رتبة عدم المساس به، كي لا تسقط الطغمة اللصوصية التي، اما تسير وفق مشيئته كملك، او تسير الملك وفق مشيئتها.
بوتفليقة حي يرزق ولو مات، لأن القيادة من حوله، هي الحاكمة والمتحكمة، وهي التي تمنعه من الموت او الاستقالة او الاستراحة.
قد يشذ الشعب الجزائري على القاعدة ويستعيد ماضيه النضالي. اننا بانتظار أن يستعيد الشعب قوته ليصنع قدره. والعرب بحاجة إلى دليل يهز العروش المستقوية بالحماية الامنية الداخلية والخارجية.
فلنضع حدا للموت العربي.