ليندا مطر، من مثلها؟ في ظني ويقيني، لا أحد. هي وحيدة ومتألقة وراسخ. نموذج، يصعب أن يحتذى.
لم تنته ليندا مطر. بلغت رتبة البقاء، منصة الإشعاع. إذاً: هي هنا، ماضياً وحاضراً وغداً. ولا عيب أبداً في تقليدها. إنه تقليد لإتمام الالتئام، حول حقوق المرأة. تماماً، كما كانت في أمسها الجديد. أمس حَضن نضالها بثقة الإنجاز. لم تكن صوتاً صارخاً في برية. كانت ملتزمة بالإنجاز. الكلام وحده لا يُجدي. العقل حركة ومسيرة ومسار. هكذا كانت، ليندا مطر.
أمسها السخي والمميز. التزامها المطلق بقضية ظُلمت فيها المرأة، على مدى ثلاثة آلاف سنة. أمسها هذا، بلغ قامة جيل مشى، وبلغ بداية الاعتراف، الضئيل حتى الآن، بحقوق المرأة. إذاً، لا مناص ابداً من إكمال مسيرتها، تقليداً واضافة. ها هو الصراط، ولا تجتنبوه.
ليل العميان معتم. وكثيرون يتعامون، وعيونهم مفتوحة على مشهد الظلم المعاد والمتمادي، والنبذ المكرر والمبرر، وتخليد مبدأ الذكورة الظلامي والمظلم: الرجل أولاً، والمرأة ثانياً، لا بل أخيراً… يا للعار! إنها الجريمة، جعلت من العالم، حديقة ممنوعات عن المرأة، ولغة الرجل فيها، فعل الأمر، ومذهب الطاعة.. ويكفي، “أن الله معنا”.
تباً لعصور مريضة، بذكورية فحلة ومستفحلة. فأنت أيها الرجل، تاريخك مُدان، لأنك وضعتَ الأولى في المؤخرة. كان عليك أن تسمع وتعي، أن المرأة رأس الرجل، لا أنت. هل سمعت ذلك الآن، في أكثر من مكان؟ إن كان يطيب لك ان تستعير من الله وكتبه ما تلفقه من ظلم، فأنت لست مؤمناً البتة، فالناس سواسية كأسنان المشط. أقدمت على مصادرة حقوق المرأة، فمنعت عنها إنسانيتها. أحياناً تعاملت معها كخرقة تمسح بها جنسك. وأحيانا كخادمة تخدم جشعك المذل، وأحياناً، تهددها بعظائم الأمور، وآياتٍ تفسرها ضد معناها. وأفدح ما ارتكبته، عندما أخضعت نصوص الألوهة، لشهواتك وغرائزك وفحولتك، وقوتك الغاشمة. وظَفت الديانات في تأكيد براءتك وتسلطك واحتقارك، لمن هي وحدها، معطية الحياة.
أقامت المرأة، في منتصف الليل دهوراً، خلف دهور. هي الولادة، والأمومة هي. هي الحياة في تدفقها. وبات من حق المرأة، بعد أزمنة القمع الذكوري، أن تقول بصوت مرتفع: “الأمر لي”. أنت من دونها تكرار ممل. رجل بلا روح. موجود مضاد للوجود.
ليندا مطر، كانت المنارة التي تكشح العتمة. وهي أمل دائم يفرض على المرأة أن تجَد وتقوى وتسير، بخطى ثابتة، وبقبضات غاضبة. وحقوق ناصعة (لا تحتاج إلى برهان)، ليصار إلى رفع الموانع، ومنع التحقير، وخلع التسخير، وإحقاق نصاعة الوجود الأنثوي… كفى ارتكاباً. الوطن ليس ذكراً أبداً. الأمة أنثى وسلطة رحيمة. عقل الرجل في قبضته، وقلب المرأة نبض حياة لا تهُن. هي الكتاب. فاقرأه بصوت مرتفع.
ماذا بعد؟ غياب ليندا مطر، ناقص جداً. صعب أن تغيب، إن استظلت المرأة في لبنان، “وبلادُ العرب أوطاني”، نص النضال وتعب قرع الأبواب الموصدة، في وجه المرأة. لا راحة لإمرأة، قبل أن تستعيد كامل إنسانيتها، وتُلزِم الرجل، أن يعلن على الملأ،
“إني اعتذر”. حتى الآن، في لبنان، كما في باقي البلدان، تتعرض المرأة لنوبات عصبية دينية ومذهبية. وهذا ليس جديداً، فمنذ قصة آدم، واتهام حواء، بأكل ثمرة المعرفة (كما جاء في النص التوراتي)، منذ تلك البداية الرائعة (المعرفة) والمشؤومة (بالعقوبات التي تليت عليها، عقاباً لما اجترحته: “لنأكل” من شجرة المعرفة)، والمرأة ضحية ألوهة منحازة.
منذ ذلك الزمن الذكوري، مروراً بالوثنيات المختلفة، التي كانت أرحم في تعاملها مع المرأة، من تعامل فقهاء الأديان والمذاهب، الذين وسعوا حلقة التحريم والتجريم، وعاثوا في البشرية عنفاً وغضباً وكرها… هذه البشرية البائسة والدامية، والتي بلغت أوج عنفها راهناً، هي من رحم رجال مدنسين بالشهوات والقوة والطمع والمال والنصب. هؤلاء، اغتالوا الحياة. هؤلاء، أتموا طقوس الخراب.
هذه الكوابيس، ليست من صنع المرأة. والغريب، أن الرجل يتباهى بانتصاراته ويبرر انكساراته، وسيرته ملوثَة بالدماء. الحروب القديمة والراهنة، هي من قوة بهيمية، اختص بها الرجل.
أما لبنانياً، فيمكن القول، إن ما حقّقته المرأة، على أهميته، لا يزال ضئيلاً جداً. التمييز حاصل، تذكروا المحاكم الدينية، و”فضائلها” الذكورية. تذكروا أنه من واجبكم استعادة الأمرة المنزلية في البيت من يد الرجل. وعدم الإكتفاء بطلبات “الكوتا”. فالحق إما يكون كاملاً ومتساوياً، وإما يكون معطوباً.
من حق المرأة في لبنان أن تكون أولاً. بكل أسف، الطوائف تعيش في زمن مهترئ، هي خلقته وحمته ودافعت عنه حتى الحنق الكبير. إنما هذا المشوار الصعب، ليس نهاية العالم. إنتهى زمن القبيلة. وأمام المرأة أن تنهي جريمة الإنتماء القبلي، وأن تكتب روايتها، وأن تنبذ الزمان اللبناني، المجلل بالعار والإنهيار.
رجاءً. لا نريد جمالاً مرعباً، وجمالاً كحفلة كوكتيل. المرأة في هذا الزمن، تبدأ معركتها من بيتها. وأن تُقنع آدم الحديث، انها ليست “التفاحة”، بل شجرة المعرفة.
ولهذه الكلمات تتمة. قولوها. انحتوها. ولتكن أيامكن خلقاً ومعجزة. معكن، يُحذف المستحيل.
يا سيدة الضوء؛ إلى اللقاء. الغد، سيُضاء بجبينك العالي وابتساماتك المتفائلة.
لولاكِ، لما قلنا، إلى اللقاء.