يعاني لبنانيون كثر من “نعمة” النسيان. يعرفون تقريباً كل شيء عن البلد. ولكنهم يفضلون النسيان. يعرفون أن لبنان معتل ويدركون السبب. يستفيضون في التكرار حتى السأم. يداومون على النقد والنق. يلعنون الساعة التي… (ضع الكلمة المناسبة). لا يعجبهم شيء فيه. يتهمون طبقته السياسية بأقذع النعوت. يطلقون عليها احكاماً مخجلة حقاً. احكام مبرمة من صنف الفساد والافساد والتسلط والكذب والسلبطة وصرف النفوذ وعقد الصفقات وتعطيل المؤسسات وإفراغ الدولة من قوانينها وأموالها. لا يجدون في هذه الطبقة فضيلة واحدة، حتى لتكاد تقتنع أن “كلن يعني كلن”.
ومع ذلك وبرغم كل هذه المراثي الهجائية، فإنهم يستعدون بكل قواهم العقلية والفعلية لخوض معركة مرشحيهم، دفاعاً عن “الطائفة المقدسة، و”البيت السياسي” العريق، و”التحالف الإنقاذي” و”التفاهم التاريخي” و…
نحن في ذروة النسيان. ليست المرة الأولى ولن تكون الاخيرة. لقد خان لبنانيون كثر قناعاتهم وتجندوا الوفا مؤلفة، دفاعاً عن “العرض الطائفي” و”الزعامة التاريخية” و”التمثيل المتوازن”، وسيخونون كل ما يقولونه عن هذه الطبقة، وسيقفون بالصف بانتظار الاوامر التي تأتيهم بلغة التخويف: “خافوا أيها اللبنانيون من بعضكم البعض”، ثم اختلفوا، انما، بعد تأدية واجب الزحف على الجباه.
لو أن اللبنانيين هؤلاء لا يعرفون معايب هذه الطبقة، لأمكن العفو عنهم. أما، وهم يعرفون ويكتوون، ويتهافتون على “تنزيل” اللوائح، فلا عذر لهم. هؤلاء يشبهون طبقتهم ويستحقونها. فلينتخبوا اليوم وليدفعوا الثمن غداً.
انهم يشبهون الفاسدين ومعطلي مؤسسات الدولة. انهم الأبناء الشرعيون لهذا النظام. هم مقتنعون بأن “لبنان هيك”، وعلى هذا ينسجون ايامهم، يبررون افعالهم، يعللون تنازلهم، يصطفون خلف قادة هذه الطبقة واحزابها وتياراتها وفاسديها. ولكنهم يلعنون الساعة التي لا يجدون فيها كهرباءهم وماءهم وسوقا لأعمالهم، وفرصا لأولادهم. لقد فرغ لبنان من نخبة طلابه ومبدعيه، ولم يبق من اللبنانيين غير المنتفعين القلة، وغير المقهورين بعشرات الآلاف.
لم يعد لبنان مكاناً للثقافة السياسية. سيولة اعلامية كاذبة. شاشات تدلق “معلومات” و”اخباريات”، ولا مرة تعرض برنامجاً سياسياً للممسكين بقرار الدولة. لبنان دولة تتراجع باستمرار على الصعد كافة. صار مكان خردة سياسية لا نفع فيها. الاصلاح غير ممكن، والتغيير مستحيل.
بيقين مبرم نستنتج أن لبنان محتل وهناك من يتعامل مع هذا الاحتلال، مقتنعاً أنه حلال، ولا مفر منه.
نعم. لبنان دولة محتلة بإرادة اكثرية ابنائه. ستبرهن صناديق الاقتراع ذلك. وبكل اسف. لم تنشأ بعد، “حركة تحرير لبنان من مغتصبيه”. لقد حررت المقاومة اللبنانية والاسلامية لبنان من الاحتلال الاسرائيلي. لبنان هذا، معجزة كبرى لم يأتها أي بلد عربي. ولكنه يجبن امام محاربة مكافحة الاحتلال الطائفي للبنان، وهذا الاحتلال، هو سبب كل الشرور والاخفاقات التي يعانيها اللبنانيون.
قيل في السابق، أن العدو الداخلي أشد خطراً على لبنان من أعدائه الخارجين. صح. ولكن، هناك من قاوم الاحتلال الاسرائيلي، وهناك من صمت وتعامل مع الاحتلال الداخلي، انطلاقاً من أن “لبنان هيك” أي ولد كي تحتله الطوائف وزبانيتها.
إذا كان ذلك كذلك، فما أجمل النسيان. انه يبرر لنا شقاءنا الجميل وبؤسنا العادل… اننا نستحق هذه العقوبة.