حصتنا من الحروب: الهزائم. ليست المرة الأولى. الأمل في أن تكون الأخيرة. من عادات الحروب أن الخاسر يدفع الثمن.. دفعنا أثماناً طوال قرن من الزمن. خسرنا برغم الشعارات المحقة، ولكن غير المُحصنة بالقوة. ملأنا عقود قرن مضى بالخسائر، في الداخل والخارج.
هذه “إسرائيل” العظمى. بدأت نواة صلبة. لم تحد عن هدفها أو عن أهدافها. هيّأت كل عناصر الفوز بالمستحيل. عوَّلت على غرب تمادى في الوقوف خلفها. لم تساوم على أهدافها، القريبة منها أو البعيدة. كل ما حلمت به حقّقته بسرعة وسهولة.. كانوا قلة موزعة في الشتات.. لم يختلفوا على الهدف وخدمته. الهدف مقدّس. لا مساس فيه. الوسائل أولاً. الغد لا يشبه الأمس. وداعاً للشتات، تحية للوحدة.. وهكذا دواليك، حتى باتت “إسرائيل” دولة عظمى، لا تُسأل، بل هي التي تطلب وتسأل وتُهدّد. “إسرائيل” نمت في تلك المرحلة. الآن؛ هي الدولة الثانية بعد الولايات المتحدة الأميركية.
إنها لا تطلب. هي تُطاع.
أما فلسطين الشعب، فقد كان متروكاً وحيداً. وخلفه ملايين بشرية، وآبار نفط، وإله واحد بأديان متناسلة ومتناحرة.
“إسرائيل” ذات سيرة عجائبية. الغرب كله بتصرفها. لكن من نحن؟
لا أعرف من نحن. وتحديداً، بعدما بلغنا مرحلة الاستقلال تحت الوصايات الأجنبية. الغرب منحاز ضدنا من زمان، والآن، وإلى آخر الأزمان.. هو لا يتجرأ على توجيه لوم أو نقدٍ، لما ترتكبه “إسرائيل” في فلسطين، وتحديداً في غزة.
الفلسطيني وطنه الشتات. الدولة مُحرَّمة وممنوعة. فلسطين لا مساحة تؤويها. هي الشتات، والمطلوب أن تخرج من الجغرافيا، وأن ينساها التاريخ، كما تناسى الغرب، الهنود الحمر الذين هم أصحاب الأرض، ومصيرهم القتل والطرد، حتى الفناء.
حصل كل ذلك، بكل وضوح وفجور، بعيداً عن الأديان والتدين. “إسرائيل” نموذج حديث لغزو أوروبا للقارة “الهندية” في ما يسمى اليوم، القارة الأميركية.
حسناً، هذا هو منطق القوة، وليست قوة الحق. من زمان؛ الحقُ يُداس، يُقتل، يُدمّر. ومآله النسيان.
إسرائيل اليوم، توجه رسالة واضحة جداً: “قولوا.. وداعاً فلسطين”.. وافتحوا أبوابكم لاستقبالها. والغريب أن بعض الأشاوس العرب، حضروا قبل أن توجه إليهم الدعوة.
ولا أبالغ إن قلت أن “إسرائيل” أبلغت الجميع: الأمر لي. تنفيذ الأمر يستدعي الوقوف بالصف، بتنظيم وأداء أميركي نفطي. وحتماً ستنال “إسرائيل” حصتها، بالإملاء الدبلوماسي، بعدما قامت بالإيحاء التالي: “أنا ربكم فاتبعوني”.
أما بعد؛
ماذا نقول عن ماضينا كله. أنجز العرب حضارتهم، إبان وقبل وبعد حروبهم. بلغوا بواتييه، أقاموا الأندلس ووصلوا إلى آسيا الوسطى.. اجتياحات، تحت يافطة الدين؛ بالسيوف وليس بالآيات.. وهذا يعني أن الفتوحات، كانت عربية لا إسلامية.. الإسلام يافطة يومذاك، وهو اليوم، سيوف على علي ومع معاوية.. وسيوف عائشة، زوج الرسول، على حبيب محمد وأولاده وأحفاده.
شقيقة بن ساعدة نموذج عن إسلام سياسي. في السياسة يقال: “القوة هي القول الفصل في ابتكار الحق أو إنكاره”. والرسول، ظل 13 عاماً يُبشّر بالروح ويلاحق بالغدر ومحاولات القتل. لم ينتصر، إلا عندما حُرّمت دعوته للجوء إلى القوة؛ ولذا قال شاعر، “الظلم من شيم النفوس، فإن تجد ذا عِفّة فلعله لا يظلم”.
لم يقتتل اليهود في ما بينهم إلا نادراً جداً. لا يذكر التاريخ معارك بل مناوشات.
فلنقفل أبواب التاريخ، ولنعاين وقائع الإسلام في ما بين السُنة والشيعة.
يا ويلتاه. كأنهما ليسا من دين واحد. كذلك في المسيحية. حروب إبادية هنا وهناك. إلا أن الفارق أن العبء الإسلامي، أساسه ذلك الصراع السياسي بين أتباع علي بن أبي طالب، وبين السلالات الأموية السنية، التي تناوبت على الخلافة، ليس بحجة الدين، بل بحجة الأقوى.
والغريب، أن عمر هذا الصراع “الأخوي” انتهى إلى ارتكاب العداء والمجازر. يا إلهي.. لو تعرفون عن جد، ماذا حصل. كربلاء وأخواتها حتى الآن. أي، حتى صعود الشيعة لأول مرة، إلى مركز الأمرة، إنما، في إيران وليس في “بلاد العرب أوطاني”.
لم يتوقف العداء، بل ازداد. حصة الشيعة في ذاك التاريخ، الإقامة في كربلاء.
ولبنان، لم يشذ عن هذه القاعدة.. حضر التشيع بكامل تاريخه ومآسيه ومؤلفاته وطرقه إلخ.. أدخلوا الله والنبي والرسل والـ.. في كل مقام. فلكل مقام منصات إعدام.
وعليه، إذا كان هذا هو تاريخنا، فمن حق كل فئة أو مذهب أن يلجأ إلى الشماتة. والشماتة عقيدة المنتصر. انتصرت “إسرائيل”، وانطلقت ألسنة المنتصرين.. حصة لبنان مكشوفة. نُصبت خيام العداء. يريدون أن يدفع الشيعة الثمن. أن يهتز التوازن. أن تطبش كفة السنة والموارنة والدروز.. والبرهان أن الاستقواء السياسي بلغ حد تشتيت صفوف الأقوياء جداً. إيران ممنوعة. أميركا آمرة واللبنانيون مأمورون. العرب يلهثون خلف واشنطن، ويتهيأون لـ”عصر إبراهيمي”.
ماذا بعد؟
كفى.
يبدو أننا لا نستحق الحياة. عفواً، في الأصل، لم نكن أحياء وأحراراً..
إلى متى كل هذا؟
اسألوا من هو في السماوات وليس على الأرض. إنه الليل العربي الحديث.. ما سيأتي، هو هذيان انتقامي.
أسأل نفسي: بماذا تؤمن؟
الجواب: لا شيء أبداً. العدمية مريحة.
سأرتاح.