كل الزمان القلق عنه راح
ما بيرجع
ما تعلّي صوتك بيسمع
وراقك بياض الروح
والسر بقلامك
هـ العمر
كل ما تلفتت خلفك
تلاقيه قدامك
من آخر الصعاليك العرب / طلال حيدر
إلى
صوت الذين لا صوت لهم / طلال سلمان
من هنا، فتح طلال سلمان عينيه على الدنيا وهاجسه كشف الغطاء عن الحقيقة المخبأة في جيوب الحكام آتين من سلالة الحجاج بن يوسف، مدافعاً عن حلمه العربي عله يُنتزع من براثن الذين صادروه في هذه الامة العربية الجريحة وسلاحهم قميص عثمان ـ فلسطين ـ مطلقين الشعارات الطنانة الرنانة عساها تروي غليل حاكم يحلم بالسلطة الابدية ليظلم البلاد والعباد.
كم اقسموا بالدم المثار لو طرفت
عين على القدس في ساحاتها قُتلوا
وروُع القدس اشلاء ممزقة
فاسأل ولو خجل التاريخ: ما فعلوا؟
سحب طلال سلمان سيف القلم ليزيح به سجف العتمة عن الحقيقة، وكان سلاحه الحبر، فراح يُطلق رصاص قلمه عليهم جميعاً ويخوض معاركه في ساحات الصراع الفكري، متنقلاً بين جريدة ومجلة إلى أن ضاقوا ذرعاً بسماع صوته فأسس منبره الخاص وصار “صوت الذين لا صوت لهم”.
كانت فلسطين ولا تزال الطعنة في القلب والجرح الذي لا يزال نازفاً، فكانت “السفير” حقل الغام يزرعه ناجي العلي ليزلزل الارض فوق رؤوس الذين يغتصبون او من يهادنون، فبدا طلال سلمان يدفع الثمن الأول فاغتالوا ناجي العلي على شوارع لندن..
كانت مصر قد أخذت تنقلب على ثورة عبد الناصر الذي رفع اللاءات الثلاث في وجه الطاغوت وأطلق الشعار الذي اقلق العربان والغربان “ما أُخذ بالقوة لا يُسترد الا بالقوة”، فما كان من “السفير” الا أن فتحت ذراعيها لمحمد حسنين هيكل، رفيق درب عبد الناصر، وعنده كل الخبايا والخفايا، ليكشف القناع عن وجوه عربية عديدة فيظهر عُريها وعارها. وليدرك الشعب العربي كيف كانوا يقودونه نحو الهاوية. فدفع سلمان الثمن الثاني وكما تغني فيروز “بلا سيرتهُ”. صداقة حميمة جمعت بين بن بللا وابو احمد كما جمعت الثورة الجزائرية بين جميع الثوار في كل انحاء العالم.
كل ارض جبلتها الريح من رمل وماء
الا انتِ يا جزائر
جبل الله ثراك من دماء الشهداء
وكلما استعر أوار الثورة والفكر الثوري كلما تضافرت قوى اخمادها لكنها نار مقدسة لا تخبو ولا يجف أوارها. واعتبر الحاكمون المتاجرون باسم الثورة والحرية والاشتراكية انهم مقصودون فأطلقوا عليه الرصاص واعتذر الرصاص من عينيه فكسر عظماً ولم يكسر قلماً. فقلم طلال عصي على الموت وعصي على الصمت وكلما صوبوا عليه ازداد صخباً وراح يصم الآذان الخرساء. وكان الثمن الثالث.
وراح لبنان يجلس على ارجوحة العالم العربي تتقاذفه ايدي اللاعبين فيعلو ويهبط ولا يستقر ابداً، واكتسحت الأمواج العاتية الآتية من كل حدب وصوت فكر لبنان السياسي، فكل يريد أن يقرأ ما يحب ولا يقرأ ما يكره ثم اخذ الجميع يقولون ولا يقرأون حتى الذين لا صوت لهم لم يعودوا يرغبون أن تسمع اصواتهم لأنهم استسلموا لليأس الأخير.
كانت “السفير” قد فتحت لهم ابوابها على مصراعيها واعتلى منبرها من لا تؤمن بفكره من سعيد عقل الذي قال عن رؤساء الجمهورية “شوهالقلعوط” وما تجرأ على محاكمته أحد. إلى زياد الرحباني الذي لا يوفر بجنونه الساخر لا يساراً ولا يميناً وقد وصف سعيد عقل وفؤاد افرام البستاني بـ”الثقل النوعي” الذي لم يفهمه بالمدرسة بل فهمه عندما عرفهما.
ديمقراطية ما عرفتها صحيفة في تاريخ لبنان أن تكون منبراً لمن يسير في الاتجاه المعاكس لرسالتها، ومع ذلك فإن الجيوب التي لم تعد تتسع لما ينهبون سرقت حبر المحابر وأصبحنا دولة منقطعة عن العالم لا “سفير” لها ودفعنا جميعاً الثمن الرابع.
ظلمه الوقار، طلال سلمان الشاعر، يرتديه من أجل سفيره يعايش رؤساء الدول والسياسيين على اختلاف احزابهم بأناقة رئيس مؤسسة ترعبهم جميعاً ومن اعماقه نهم للحياة يمنع السنين أن تتسلق على منكبيه.
ينتظرون الافتتاحية ليقرأوا آتي الايام الماضية وليروا كيف اننا كلما اقتربنا من أنفسنا لنزداد غربة في الخريف العربي. وكنت ارى طلال سلمان الانسان، هارب إلى الصحافة من الشاعر الذي يسكنه وظل يلاحقه فأفرد له خواطر لنكشف عاشق “نسمة”، يُعلمنا كيف تُكتب قصائد العشق كي لا يخطر على بال العشاق، ففي رؤاه الشعرية دهشة لم تخطر على بال القصائد من قبل، فإذا الهنيهة دهراً والأبد لحظة والعشق حالة تُبهج الروح إذا إقتنصها الجسد.
ما عرفت شاعراً يأخذه العقل إلى وقار الحقيقة ويذهب به الشعر إلى عالم لا يعرفه الا الغاوون مثل طلال سلمان. لا اريد أن اسرقه منكم ليظل لكم ولنا ولهذا البلد اليتيم لبنان.
كلمة القيت في الاحتفال التكريمي للاستاذ طلال سلمان الذي اقامته بلدية شمسطار في 2017/3/26