لم تعد فلسطين على جدول أعمال العرب. هذا امر ايجابي جداً. العرب ابتعدوا عن فلسطين. هذا عمل بناء. العرب منصرفون لتصفية القضايا العربية. هذا امر طبيعي وعادي. العرب ما عادوا عرباً. هذا ما تأكدنا منه في العقود الاخيرة والسنوات المنصرمة.
ليس لفلسطين الا الفلسطيني وكل مواطن في دنيا العرب، يصوم عن اليأس ويفطر على أمل. العرب الغاربة في كل واد يهيمون. أخذوا من الاسلام، ما هو اشد من الفتنة. اخذوا من العروبة شقاء الأخوة ومزقوا صلة الرحم بالشعوب. انصرفوا إلى نفط يكدسون عائداته لشراء السلاح والكلام والسلام. اتبعوا همجية الديكتاتورية بشعارات الحرية… العرب الغاربة بعيدة عن فلسطين؟ هذا ليس عيباً. انه من علامات الغد.
لفلسطين دم صادق. به يكتب الفلسطيني يومياته ويوقع على أمله. هذا المحاصر من جهات الارض الاربع، هذا الوحيد المنسي من اهله وأصدقائه والضمير العالمي، يعرف كيف يجعل من فلسطين حية ترزق. لا ينتظر دعماً من اشقاء. لا يعّول على غرب يتعامى قصداً. لا يصدق مؤسسات دولية تفرط في الاهمال واللغو. لا يرى في الافق غير نضاله، مرة بالحجر، مراراً بالأجساد الحية، تكراراً بالسكين، احيانا بالسلاح، وبكل ما ملكت يداه دماً تتوق اليه حريته.
هو الآن في اوج الحضور. الباقون في غياب. اسرائيل تحشد جيشها لإحباط الحاضنة الشعبية للأسرى. تمنع تحرك أي دولة تتململ من رؤية الاسرى خلف القضبان. تؤنب من يتجرأ على استنكار مهذب لاستمرار الاستيطان. مطمئنة إلى اهمال العرب وتخليهم عن القدس والمقدس من الشعب الفلسطيني.
الاسير الفلسطيني الاعزل يقاتل بصيامه، جشع العالم. هذا العالم الذي يرى ولا يَرى. هذا الذي يحس ولا احساس، هذا الذي يرفع شارات الحرية ويندس في صفوف الطغيان الاسرائيلي.
الفلسطيني، منه نتعلم الأمل: فلسطين لأهلها. هؤلاء الفلسطينيون بالآلاف، ليسوا سجناء بل أسرى. جريمتهم الرائعة، انهم يطالبون بفلسطين فقط. لا اثم يلحق بهم، لا جريمة ارتكبوها.. أن فعلتهم من الافعال الكبيرة، اللائقة بأن تحفظ وتدرس ويعلى شأنها في الاعلام المحلي والعالمي. ويا لعار إعلام، يغمض عينيه عن مأساة شعب وعن عدالة قضية وعن بأس فتية يخرجون من بيوتهم إلى الحارات والقرى لقتال المغتصب، بالأجساد العارية.
ولا تظنن أن الفلسطيني ضعيف. هو برغم بؤسه والحصار، “شعب الجبارين”، الذي لا يزال يقول لا. مجرد قوله لا، فعل حاسم. لا لدولة عنصرية، لا لإسرائيل، لا للاحتلال، لا للاستيطان، لا للتقسيم، لا لوعد بلفور، وألف لا اخرى.
يعيبون على الفلسطيني شتاته، يتهمونه بالتخلي. سابقا نعتوه بأن باع ارضه في فلسطين. هؤلاء اعداء فلسطين. وصفوه بالمخرب. أطلقوا عليه صفة الارهابي. عيب كل ذلك. هذا الفلسطيني نال من العقوبات العربية اضعاف ما ناله من القمع الاسرائيلي. ومع ذلك، لم يضيع البوصلة. يريد فلسطين عربية لا يهودية ولا صهيونية. يريدها دولة ديموقراطية جداً. ولا يريد ها ثكنة مدججة بالحقد. يريدها ارضا تتقدس بالإنسان بمقدار ما هي مقدسة دينيا وأكثر.
هل من نهاية لحرب الامعاء الخاوية. هل من نهاية لعذابات “الماء والملح”؟
ربما، يعيد التاريخ نفسه. منذ سبع سنوات، حصلت “حماس” على وديعة جلعاد شاليط. لم تسترده اسرائيل، الا بتحرير عدد من الاسرى. واليوم، لدى حماس، اربعة جنود، إما احياء او جثامين، وقد يتكرر المشهد. فيحصل التبادل بين العدو وبين الفلسطينيين، ويكسب الاسرى المزيد من الضمانات. وقد يطلق عدد من الاسرى، وتحديداً النساء والاطفال والشيوخ.
لإخوة مروان البرغوتي في الاسر ألف تحية، ولفلسطين ما تبقى من ضوء العين، وقوة القبضة، وطلاقة الطلقة. في لبنان، مقاومة، ليوم يتحدد فيه مصير، ما بعد بعد حيفا.