قد ينقذ الخوف الجمهورية! قد يتغيّر شيء داخل احتضار التركيبة! قد نتفاءل بمكسب عدم وقوع الحرب الأهلية! قد تهتدي «النخبة» الحاكمة(!) أو المحكومة(!) أو المتحكّمة (!) إلى خريطة طريق، ضئيلة الاتساع، تفضي إلى بقاء لبنان، حياً، بصفة موقتة! قد نتجاوز الربيع العربي الزاهر، وننجو من الربيع الدامي، ونحافظ على الجمود، حاضن الاستقرار والقلق والحياة في مستواها الأدنى!
وقد يحصل العكس، ويتفجّر الحقد اللبناني، مقلداً فتنة سنية شيعية، تحتفل بدمائها في العراق وسوريا والبحرين! قد يتفجر الحقد الديني، سلفيات وأخوانيات، ضد كفرة رافضة، وعلمانيين مستغربين! قد يتم استجلاب الانقسامات الميدانية من سوريا، والتشتت المذهبي من العراق، والقهر السلطوي من البحرين إلى لبنان! قد يتحوّل النازحون البائسون إلى أوار مذهبي عنصري، يؤجج نيرانا تتخطى تخوم السلامة الكانتونية القائمة! قد ينفرط البلد سهواً، من دون إرادة أحد، وينزلق الجميع إلى المحرقة! قد وقد… فلا أمل بغير بقائنا على ما نحن عليه، فنجتاز موعد الانتخابات بخسائر محسوبة، وأرباح كاذبة، وفوز مشكوك. ونجتاز تداعيات الأزمة السورية المقيمة فينا، من دون أثمان مكلفة، ونجتاز مسالك الانهيارات ونتحفظ على التورط فيها او الرهان عليها… ومع كل ذلك، سيبقى الخوف مقيما، والقلق يملأ الكؤوس، والعجز ترجمة يومية للفعل المشلول الذي تتعكز عليه النخبة الحاكمة او المحكومة او المتحكمة.
ويجوز الوجهان: إما أزمة دائمة بعنف منضبط، وإما أزمة بعنف فالت ومجنون. خارج هذين المستقبلين الكالحين، لا يوجد «قد» أخرى، توضع في أول جملة تترجم توقعا او أملا تحمله قوى شعبية مدنية او يسارية او علمانية او ليبرالية او وسطية. فلبنان مختزل بشدة وصرامة، لصالح أمراء الصيغة اللبنانية، التي أقفلت الأبواب عليها، فمنعتها من الخروج منها، ومنعت الآخرين من الدخول عبرها، بهواء يصلح مزاجها السياسي العكر.
إذاً… لا أمل، إلا بمكسب وحيد، أن لا يحصل ما هو متوقع، ولهذا الأمل حظوظ كبيرة. المتوقع من عنف وقتال وحروب، ليس في وارد القوى الأقوى. العجز يفرض منطقه. ليس في الساحة من يتنبأ بهزيمة الآخر. يحسبون ويجيدون تعداد الخسائر، إذا تورطوا في العنف… العنف الوارد من الخارج أو المستورد منه مضبوط. العنف «المسَسْتَم»، أو المتعسكر، لا يتخطى حدود الكانتون الطائفي/المذهبي… الفريق الأقوى يهرب منها، ويلجأ إلى التورية السياسية والتقية الميدانية، والفريق الأضعف لا يقرب منها، فيلجأ إلى الصراخ السياسي والافتضاح التآمري. حُجّته في ذلك، انه معرض للاغتيال، وأن عمليات التصفية تطال قياداته، وان موقفه من «الاستبداد السوري»، يؤهله سياسياً وينصفه قضائياً… عجزان رائعان، بسبب الخوف المتبادل، لعل الخوفين ينقذان الجمهورية! لاءان، لا يصنعان وطنا، حسب مقولة جورج نقاش. انما، عجزان قد ينقذان الكيان، ولو على اهتراء.
*نشر في “السفير” بتاريخ 10/1/2013