تستمر المقتلة والقصف والقتل والتدمير في ظل سعي واضح من أجل تدمير قطاع غزة وتهجير شعبه. ولم يعد الاسرائيلي يخفي هذا الامر الذي بات يتجلى حتى في اقوال رئيس الاركان الاسرائيلي الحالي إيال زامير الذي وفر لليمين الاسرائيلي تبريرا امنيا لاستمرار احتلال شمال غزة على الاقل. وما خطط انشاء ريفيرا غزة تنفيذا لخطة رئيس الولايات المتحدة الأميركيةالصهيوني دونالد ترامب الا مجرد تعبيرا عن ذلك.
من هنا، فإن الواقع الفلسطيني اشد تعقيدا مما يخال بعض الذين يغلّبون عداءهم لحماس حتى على عدائهم للاحتلال. الامر لا يتعلق بسلوكيات حماس، حتى لو افترضنا ان كل سلوكياتها خطأ. فاسرائيل ومخططاتها تجاه ارض فلسطين وما يحيطها غير مبالية تماما بما يريده العرب أو تفعله الأنظمة العربية. واليمين الاسرائيلي والمسيحاني الاميركي يرى في فلسطين ومحيطها ارضا مخصصة لليهود بوعد الهي، ومن هنا هم ملزمون بتنفيذ هذا الوعد وتجسيده سواء كانت عصابة ابو شباب تقود الفلسطينيين او “انبياء الثورة والحكمة والعدل”. وهم لا يتورعون عن محاولة تحقيق ذلك طالما انهم يمتلكون القوة.
والحركة الصهيونية التي نشأت علمانية سرعان ما غرقت في ادعائاتها وتبريرها الديني فصارت ما هي عليه الآن. هي بدأت بطليعة اشتراكية حيث كانت الكيبوتسات والقرى الزراعية المشتركة من موشافات هي الاساس وتحولت مع الوقت الى مستوطنات لليمين الديني والفاشية العمياء. وانتشرت الارضية الدينية المتطرفة لتغرق مجتمعا بكامله فكان نتيجته قرارا باغلبية ٧١ عضو في الكنيست بفرض السيادة على الضفة الغربية.
في المقابل، ولأن غزة عرت الصهيونية عالميا من لباسها وأشعرت جميع من تبقى لهم عقل في اسرائيل بأن العار يجلل إسرائيل من راسها حتى قدميها، أصبح بعضهم يتخوف من الانتقام الآتي ليس فقط عليهم وانما على ابنائهم واحفادهم. وهذا ليس كلاما مرسلا وانما حقيقة ثابتة.
في النهاية، اسرائيل ليست اميركا، وقوتها ليست بلا حدود. يكفي الاستماع الى التقارير عن الجيش الذي بات منهكا وتدهورت حالته المعنوية ومستوى صيانة آلاته لفهم الاسباب التي دفعت رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للبحث بالموافقة على وقف القتال.
لقد عرت غزة الصهيونية في العالم كما عرت في الوقت ذاته الانظمة العربية بل النظام العربي برمته. إن مقدار الالم والعار الذي يشعر به العرب شعوبا ومنظمات وحتى حكومات لا بد ان يفجر حالة في وقت غير بعيد قد تكون اشد قوة وتأثيرا من تلك التي اعقبت هزيمة ١٩٤٨. إن كانت نكبة ٤٨ قد اطلقت مجموعة من الانقلابات والثورات والهزات فإن نتائج ما يجري حاليا لن تختلف كثيرا. بل ان بعض من تبقى من عقلاء في اسرائيل يحذرون من الآن من عواقب ما يجري في غزة والضفة على الانظمة العربية وعلى الواقع العربي.
من السهل جدا تحميل حماس وفصائل المقاومة مسؤولية ما يحدث لكن ذلك يخفي حقيقة ان اسرائيل هي المعتدي الاصيل وان العمل المقاوم هو الرد الطبيعي، بغض النظر إن كانت المقاومة افلحت ام خابت. وهناك فارق هائل بين دعاة الاستسلام وبين دعاة تعميق فكرة المقاومة وعقلنتها. والعقلنة هنا بمعنى كل ما يجعل سلاح المقاومة اشمل واوسع واشد بأسا واكثر جدوى. على المقاومين فهم أن اسرائيل عدو كاف لذلك لا حاجة للبحث عن اعداء آخرين. كل بحث عن عدو آخر، داخلي او خارجي، ينقص من الجهد المطلوب لمقاومة العدو الاساسي.