المستقبل وراءنا. الماضي أجدر من الحاضر. والحاضر مشهد نصفه دماء والنصف الآخر رماد ودخان.
القمة العربية في تونس، مشهد يليق باحتفال السقوط إلى القعر. لافت أعمار الملوك والامراء والرؤساء. الصغير فيهم نصف ميت والبقية تجوز الرحمة عليهم. مجموعة من العجزة النائمين. والكلام السياسي، مواقف لفظية، لا تدر فعلاً.
العرب البائدة هم. العرب السائبة هم. يشبهون بلادهم الموزعة بين الحروب العربية ـ العربية، وبين الحروب الاسلامية ـ الاسلامية، وبين الأخوة الاعداء، أما فلسطين الشهيدة، فتشذ عن القاعدة، انها أقوى من كل الدول العربية. لا يزال لها معنى: غزة تقاوم الحصار والاحتلال بالأجساد الحية، الضفة تخترقها شجاعة عز نظيرها. كثيرون من مدرسة “ابي ليلى”. السلطة أضعف من بيت العنكبوت. شرعيتها القليلة جداً، رهن الزناد الاسرائيلي. تطيع ولا تُطاع. كل ما عندها من قوة، هو في عدم استسلامها الكامل للعدو الاسرائيلي.
ما بين السنة والشيعة أمران: خلاف مزمن لا حل له. عمره من عمر الاسلام، بعد وفاة الرسول. وخلاف في السياسة، حول فلسطين وأميركا والهيمنة. يذبح هذا الخلاف الجغرافيا العربية، من اليمن عبوراً بالبحرين، وقوفاً عند العراق، انغماساً في سوريا، تهديداً للبنان، وتخليا عن القدس. يصعب التمييز بين السياسي والمذهبي. ففيما الخلاف سياسي اولا، ينقلب مذهبياً. المحمول سياسي، الحامل مذهبي. يغلب الحامل المحمول. يصير الصراع سنياً-شيعياً، بدل أن يكون سياسياً. وتنقسم “الجماهير”، وقد كانت ذات ماض، عربية، بين فسطاطين مذهبيين، لا يلتقيان، ولم يلتقيا من قبل الا على قهر ومضض.
لفلسطين فرادة البقاء. انها باقية. وحدها ووحيدة… باقية. قضية اصيلة. المشهد واضح: إما فلسطين الحرة، وإما اسرائيل الكبرى. لا تساكن بين محتل لأرض، وبين محتلةٍ ارضه. الخسائر كثيرة وكبيرة ومزمنة. طافت المسألة الفلسطينية على الانظمة في الخمسينات والستينات. خسرت. ولكنها امتشقت السلاح ومارست الكفاح في السبعينات والثمانينات. “الأخوة العرب” كانوا ألد الاعداء، في اكثرية انظمتهم. اللجوء إلى أوسلو، كان ثمرة للانتفاضة الأولى. وبرغم كل الخسائر ما تزال فلسطين العارية، المحاصرة والمأزومة، مشكلة كبيرة “لإسرائيل”.
لا خير يرجى من اميركا واصدقائها العرب. لا بارقة امل من العالم المتحضر، عالم حقوق الانسان الكاذبة. فلسطين، اختصاص فلسطيني، واختصاص المقاومة التي شهرت سلاحها لمواجهة اسرائيل.
المقاومة اللبنانية نموذجا، كانت ولا تزال.
المستقبل وراءنا؟
الا إذا اتسعت رقعة الضوء في محيط فلسطين. الا إذا ولدت مقاومات جديدة، تضاف إلى المقاومات القائمة، في ما بين لبنان والضفة وغزة.
فقط، في هذه الحالة، يكون المستقبل أمامنا. ولولا هذه “الفتنة الكبرى” السنية الشيعية، لكان كل المستقبل معنا، ولتغيَّرت الدول العربية، وباتت راشدة ورشيدة ومتوحدة.
أضغاث أحلام؟
طبعاً.
ولكننا ما زلنا في اول الطريق، ولو بعد مضي مئة عام من الفشل.