كنت على وشك أن اصدِّق: بدأت المعركة ضد الفساد. الكلام على الفساد لم يعد كلاماً. هناك أفعال. أجهزة مكافحة هذا الوباء افلحت في فتح ملفات، في توقيف مشتبه بهم، في التحقيق مع المتهمين، في “إقناع” المرئي والمسموع والمكتوب، أن المعركة التي اندلعت، ماضية إلى نهاياتها، مهما بلغت الصعوبات.
كنت على وشك أن أصدق وأبصم وأومن. واثناء النقاش دافعت عن المعركة بعناد. تمسكت بقناعتي وحججي. فهذه أول مرة نرى ونسمع ونتلمس صدق النوايا. تغاضيت عن الاستنفار السني. قلت هذا أمر طبيعي، انما يمكن تجاوزه. تغاضيت عن طبيعة الطبقة السياسية الفاسدة، بحجة انها سترتدع أمام صرامة المعركة وأسلحتها القانونية، وتغاضيت عن قضاء يبيع ويشتري. كانت قناعتي، أن المعركة صعبة، ولكنها بدأت، ولا بد من الرهان على هذا التفاؤل. تحملت كثيراً من النقد والنقض. وأعدت الاصغاء للبراهين الكلاسيكية المكررة عن العجز وعن كون الفساد أصل لا فرع وان دين الدولة الفساد. وأن الفساد ش.م.ل. وهي عناوين من مقالاتي السابقة، اليائسة من البلد وحكامه وأهله.
فجأة، وبصدفة بحتة، غيّرت رأيي. الذين صادفتهم ليسوا من أهل الرأي او من أهل الاعلام. انهم عصب النظام والادارة والقضاء والمؤسسات. بعضهم تقاعد، وبعضهم يتمنى التقاعد. خلاصة ما عرضوه هو عن مكامن الفساد الكبير وأربابه. والأغرب، عن الفساد العلني، المكشوف، المدعوم، المتباهي، بأنه لا ينتمي لحزب او طائفة او تيار، وان هؤلاء ينتمون اليه لحاجتهم إلى حصة من هذا الفساد الكبير.
خفت أن أصِّدق. قيل لي: أن ما يحصل ليس معركة، بل دونكيشوتية، او شبه ملهاة، أبطالها من الفاسدين الفاشلين، الذين ينتمون إلى طائفة الضعفاء. أكدوا لي، أن الفساد العلني اليوم، في عز قوته. لم يتغير شيء. ولفتوا انتباهي إلى اللغة النيابية المستخدمة في التحريض على الفساد، والى كون اكثرياتهم فاسدة، او نظيفة، ولكن جبانة.
صدَّقت. الفساد الكبير له عائلات ومنظمات وشركات وطوائف وحمايات مستفيدة من التسيب المقونن. الفساد المقونن، يعني انه حائز على الشرعية، عبر فذلكة قانونية، بتوقيع رسمي من اعلى المستويات في الوزارات والمؤسسات.
ولكي يؤكدوا لي وجهة حكاياتهم، سألوني الاسئلة التالية: هل من جواب واحد حول عجز الكهرباء وتأجيل الحل؟ كذلك الأمر بما يخص النفايات والتلوث والمستشفيات والتعليم والتربية، والالتزامات و… و… الأهم، ماذا عن الفساد المعلن والكبير والمحمي؟
أخاف أن اسمي مفاتيح الفساد الكبير.
تراجعت عن تفاؤلي. اشفقت على ضحايا الفساد الصغير. هؤلاء ضحايا الحيتان الكبيرة.
عد إلى ثوابك وصوابك أيها القلم: الفساد مدرسة سياسية تخرجت منه سلطات متعاقبة، حاربت الفساد، بالفساد.
ك: داوني بالتي كانت هي الداء.
إذا: الفساد اللبناني كنز لا يفنى.