من يتذكر البوعزيزي؟ أحرق نفسه فاندلع الربيع التونسي. سقط زين العابدين بن علي وفرَّ إلى مملكة الظلام. كان الأمل وسع الشوق إلى الحرية والكرامة والديمقراطية والرغيف. العالم العربي آنذاك، كان يعيش في القرون الوسطى. انظمة استبدادية، فاسدة، بلا قضايا، بلا انسان وبلا فلسطين. الغريب، أن الربيع العربي الأول، اتهم بأنه مؤامرة. فعلاً، المؤامرة كانت في الطرف الآخر. جرى التآمر على الربيع العربي من قبل الاسلام السياسي، والاستبداد العربي، والتدخل الغربي. ولا واحد من هذه الطغمة المتناقضة، كان مع الحرية والعدالة… وفلسطين. تحوَّل العرب إلى ذئاب على كل الجبهات. ساد العنف والعنف المضاد. اسلاميو الخليج ومصر وليبيا و… في جبهة، والانظمة العربية توزعت الجبهات، حتى بات العمى هو المدى. لقد ذبح الربيع العربي من كل الاطراف الدموية المتصارعة: الانظمة والانظمة المضادة، ومن معهما هنا وهناك وهنالك.
الربيع العربي، نُحر وهو لم ينتحر. وكان الظن بعدها، أن الامة دخلت في غيبوبة. لم ينتج عن العنف غير الخراب والفراق. أبشع “ربيع” مر على الأمة. خسرت الشعوب العربية رهانها على التغيير، ورضخت كسيرة، لما انتجه العنف من خراب، ولا يزال.
ها هو ربيع آخر يطل من بلاد المغرب. الجزائر، نفضت عنها السنوات العجاف، لم تلجأ التظاهرات إلى العنف. سلمية، يعني سلمية، لا اسلاميين، يعني لا اسلاميين. ربيع شعبي، الزم الجيش بالحياد، فلم تسقط شعره من رأس متظاهر، انما سقط الرأس . سقط بوتفليقة.
الجزائر، هي تونس الثانية. الانتقال إلى مخاض الديموقراطية حتمي. الجيش شبه محايد وشبه منحاز، إنه سند النظام مذ كان، وله سلطة كبيرة وحق في اتخاذ القرارات. الربيع الجزائري امام امتحان خطير: أن لا يدع الجيش يستولد “سيسي جزائري”.
السودان استعاد جزءاً من ماضيه. كان رائداً في التنوع والفكر المنفتح والاحزاب العقائدية. لم يكن للإسلاميين مكان لائق في السياسة.. كانوا في الخطوط الخلفية للنظام. عندما سقط، قبض عليه الاسلاميون بالزي العسكري. ثم شاركوا النظام وانقلبوا عليه، ثم انقلب هو عليهم. لعبة ولاءات متناقضة يوماً، متحابة يوماً آخر. والنظام في قبضة رجل واحد كان، جعفر النميري، ثم في قبضة راقص سياسي آخر، يدعى عمر البشير.
الشعب السوداني استذكر كتَّابه وشعراءه وفنانيه وقيادييه وشهداءه. ربيع سوداني على الابواب. الظن يشير إلى أن العنف محرَّم. لا الشعب يريده ولا النظام يجازف به. لأن عواقبه ستشبه ما جرى في سوريا واليمن وليبيا وبعض العراق.
وهذه دول شُلًّت قواها، برغم مكابرتها: ليبيا، تصنع جحيمها للمرة المئة. اليمن، مذبحة لا شبيه لها. سوريا، ما أكثر ما فقدته من ناسها ومدنها وقراها واراضيها! وعودتها إلى السلم، باهظة في السياسة والسيادة والأمن والمستقبل. العراق، كأنه منذور ليكون خراباً وناسه امواتا يرزقون.
العنف، هو العدو الأول للربيع. ها نحن امام ربيع بلا عنف حتى الآن. أمل جديد بتغيير سلمي بطيء، ولكنه قادم.