بكل أسف، لا تغيير. أفضل الممكن، أن نسقط بهدوء. أن يحدث الانهيار على دفعات. أن يصبح الفقراء أكثر فقراً، بهدوء. أن يستمر النهب بالتقسيط. أن نتفرَّج على مهزلة الفساد وكيديات “محاربته”. أن تعلن الهدنة مؤقتاً بين القيادات الطائفية. أن لا يصاب بنوبات ترامب الصاعقة. إلى آخر، مما هو معروف ومتداول.
بكل أسف، لا تغيير. المعارضة في شتات عصبوي. لا بديل ابداًعن السلطة الطائفية المزمنة. لبنان، هو الإبن الشرعي للقوى الطائفية المتسلسلة زمنياً، منذ مأساة القائم مقاميتين. المعارضة عكازات سياسية، تحمل الأقوال بلا رجال.
لنفترض هذا المستحيل: أن تسقط هذه السلطة ذات زمن. فمن البديل؟ لا أحد البتة. من هم ضد هذا النظام وأعمدته الطائفية ـ المالية ـ الاقليمية، غبار، او باختصار، لا أحد. لا وجود لبديل علماني. لبديل ديموقراطي، لبديل وسطي. لا وجود فعلياً لأي بديل. كل “البدائل” الموجودة، فقاعات صابون. ظاهرات صوتية. فوضى جميلة. رجال ونساء صادقون، وعاجزون. شباب طموح ومتشوق لوطن جديد، ولكن بلا تنظيم.
بكل اسف، النظام باق. الطبقة السياسية المزمنة، كالأفاعي. تخلع جلدها، ولكنها لا تتخلى ابداً عن أنيابها وسمومها. أما “المعارضات”، فتاريخها يدل عليها، وواقعها يفضحها. انها فتات، لا يجتمع شملها. وتكاد خلافاتها تتخطى بأشواط، خلافات الطبقة المحكمة.
إذا ماذا؟
بدل البحث عن بديل لهذه السلطة الدائمة، فلنبحث عن بديل جديد، يأتينا من صدق الالتزام وسعة الأفق واحترام الاختلاف، وسعة اللقاء، وقدرة الجمع بين “تناقضات” الضعفاء.
المعارضة، بحاجة إلى قائد او قيادة، تنتسب الجماهير اليها، بمقدار انتساب القيادة الصادق إلى جماهيرها المبدَّدة راهنا، بين صغائر الحلقات ونزعة النرجسية وخطيئة التفرد، وضغائن التمايز.
لا نفضح ما هو مفضوح علناً. قوى “المعارضة” الراهنة، في حالة يرثى لها. العداوات صارخة. التزعم مفضوح. العجز واضح. العبث معيب، والنتائج، صفر على عشرين… الا يلاحظ أن السلطات المتحكمة، لم تشعر بعد بأي تهديد ملطف. لم تسمع نداءات واصوات الناس. لم تلتق بمعارض واحد بعد. لم تهتم لشارع ” يتنزه” فيه الرافضون.
لا أهدف الاساءة إلى أنبل من عندنا. إلى أناس يعبرون عن رفضهم. ابداً. هؤلاء خيرة اهل لبنان. له فضيلة التجرؤ، ونعمة التفاؤل، وضوء الأمل. هؤلاء، من حقهم أن يشعروا، بأنهم يتامى، بلا آباء، بلا قيادة، بلا قوة، بلا مشروع، لاقتلاع النظام وأهله، ولو بعد سنوات او عقود.
لن يحدث تغيير في لبنان، قبل أن تعاد لغة المعارضة إلى ابجديتها، قبل أن تحاكم المعارضة عجزها، ودورانها حول نفسها، منذ زمن بعيد، وستبقى إلى ازمنة قادمة.
نحن لا نشبه تونس. ولا شعب السودان، ولا جماهير الجزائر. نحن “ظاهرة صوتية”، في ظل حكم طاعن في التحكم، بلا وازع او رادع. نظام محمي من الطوائف، بدءا من المرجعيات الدينية، إلى أتفه طائفي. وما أكثر التافهين. انما، لهؤلاء القدرة على الاستمرار بالحكم والتصادع من أجله، في حلبة السلطة. انهم يشبهون بعضهم البعض، في فضائحهم الكثيرة، وفي “فضائلهم” النادرة. ما يميزهم عن المعارضة، أن كل المفاتيح اللبنانية، السياسية والمالية والثقافية والاعلامية والاقتصادية والطائفية، معلقة بزنارهم، فيما العارضة تكتفي بأن تكون صوتاً صارخا بالبرية، نتنبأ بفشلها وبعجزها.
فلنفرض أن السلطة سقطت، فان من يرثها، لن يكون غير السلطة نفسها. راجعوا تاريخ السلطة في لبنان. العبقري فيهم. غبي وطنياً، وعبقري انتهازياً.
مهمة المعارضة اليوم، وغدا، وبعد عام واعوام، أن تبحث عن قائد وقيادة، تقطع نهائياً مع النظام، فلا تمارس السياسة بهدف تحصيل مقاعد نيابية مخصية. ولا تسعى إلى الاشتراك بهذه السلطة. بل تؤسس لزمن قادم. عمر الطائفية وعمر النظام أكثر من مئة عام. عمر المعارضة. لم يبدأ تسجيله بعد، في الروزنامة اللبنانية لا يفيد تعداد المعارضات الفاشلة. السياسة، لا تعترف، الا بالفائزين.
هدف هذا الكلام، أن نتبنى النخب المعارضة، قيادة قادرة على الجمع. فهل من مستجيب. الاسماء متوفرة وكثيرة. القوى كذلك. الثقة تأتي وتكتسب من تأمين المكاسب، ومراكمة التجارب، وتحشيد القوى، للتجرؤ على التغيير.
هل من مجيب؟
المعارضة التي تنظر إلى المستقبل، تفكر بالقوة. والقوة متوفرة، ولكنها مشتتة، ومعظمها مستقيل ويائس او منتظر. لقد وصل لبنان إلى الحافة. وسيسقط مرة أخرى، في احضان هذه الطبقة السياسية. “برافو”.
يا للعجز!
إن التيئيس، صناعة الطبقة السياسية. أما انعدام الامل، فهو من نتاج المعارضات، التي تتضاءل وتنوص وتكاد تنطفئ، برغم الرفض الشعبي الكبير، لهذه السياسات ولهؤلاء السياسيين.
قليل من التأمل والتبصر. قليل من التواضع. قليل من التفاؤل. قليل من الحوار والانفتاح وتقبل الآخر، ومن كل هذا القليل، تنشأ عصبة العمل من اجل تغيير هذا النظام، وفق ما نص عليه الدستور اللبناني، واتفاق الطائف.