كم معركة ستخسر بعد؟
أصلاً، لم تخض بعد أي معركة. البطولة ليست في الكلام. الاعداء لم يشعروا بعد بخطر. انهم محاطون بالدعاء، ومحروسون جيداً، وحراسهم بعض ضحاياهم.
نتحدث هنا عن لبنان. يا لفداحة العجز! يا لذل الاقامة! يا لبؤس المستقبل.
كأن ليس في لبنان شعب. ليس فيه نقابات. الأحزاب ماض مضى بلا رجعة. الجمعيات لا تجتمع الا على شقاق. الروابط مقيَّدة ومغلولة.
كأن ليس في لبنان أحد.
عشنا زمناً ماضياً، كانت آمالنا أمامنا. تخطت احلامنا حدود الكيان. كنا يساريين واشتراكيين وقوميين وتقدميين وعلمانيين وعالميين. وقفنا إلى جانب الجزائر، إلى جانب عبد الناصر، إلى جانب فيتنام، وصلنا إلى كوبا، قدَّسنا غيفارا. حتى التوباماروس عرفناهم. تزاملنا مع هو شيء منه، تآخينا مع باتريس لومومبا. قلدنا انتفاضة الطلاب في فرنسا. تابعنا خط النضال العالم ثالثي. أما فلسطين، فقد كان دمنا سخياً في ري ترابها…
كأن لبنان هذا، على مستوى الناس، لا يشبه لبنان الناس، بالأمس. كانت آمالنا احلاماً صالحة وجاهزة للتحقيق. حلمنا بلبنان وقد تخلص من طائفيته. اليوم، تخلصت منا. كنا على وشك اقامة لبنان العلماني، الديموقراطي، الانساني. قتلونا. قتلنا العرب جميعاً. العرب “الاشقاء” والعرب الاعداء. كنا طلاباً نرسم للبنان غدا ديموقراطيا اشعاعياً. كان النضال الطلابي ابعد من حرم الجامعات. العروبة التقدمية والديموقراطية، كانت نصب اعيننا. لبنان وقد تنقى من طفيلياته المذهبية، على مرمى خطوات… كنا نعيش ذلك الوهم. كان هذا الوهم الجميل، يحرضنا ويحثنا ويدفعنا إلى الشارع، إلى الكتاب، إلى الجريدة، إلى تقليد حركات التقدم في العالم.
كم معركة خسرنا من قبل؟ لماذا لم نخض بعد ذلك أي مواجهة مع سلطات لبنانية، إذا قيست بسابقاتها قبل الحرب، بدت هذه اليوم، كهذا حصرم رأيته في حلب؟
يكثر اللبنانيون من توصيف الاحوال اللبنانية الرثة والزنخة. يعرفون مرتكبي السبعة وذمتها. والسبعة، حزب الاحزاب والتيارات اللبنانية. يحصدون الارتكابات. يدلون عليها بالأصبع. طبعاً، لا يتجرأون على التسمية. مثل هذا، تعرض للانتحار. ومن ثم، هم يعانون معاناة شديدة امراضاَ مزمنة لا علاج لها حتى الآن، ليس بسبب العجز، بل بأسباب الربح والخسارة.
لا ضرورة لتسمية ما يعانيه اللبنانيون، ويتفرجون. طاقة احتمالهم فوق الوصف. يتعرضون يوميا، وعلى مدار 24 ساعة، للظلم، والاهانة، والقرف، والحرمان، والعذاب، والافقار، وانعدام الافق. يعوِّضون عن عجزهم بالاستماع إلى التصريحات المقيتة نفسها، على مدار الساعات والايام والازمنة، ويعيدون تكرار ما سمعوه عن القرف والوسخ والسرقة والزندقة والبندقة، وينفرد كل فريق في تحميل مسؤولية ويلاته، للخصم الطائفي، او للعدو الحزبي.
الشارع مهجور. الاحزاب رخوة. النقابات ليست من هذا العالم… يدور اللبناني في حلقة مفرغة. تأليف الحكومة سخافة ولا أسخف. أسباب تضج بها الحناجر، وهي أرخص من النفايات… ويتحمس الناس، لهذا وذاك، متناسياً، انهم شركاء في الارتكاب منذ عقود… ما هذا الشعب؟ يا الله، فسّر لنا هذه الطينة الخبيثة التي منها صنعت ارواحنا ونفوسنا وعقولنا وغرائزنا وضمائرنا.
كل هذا محمول. اعتدنا الكهرباء المقطوعة. تحمسنا للعدادات. نحن بانتظار النفايات على قارعة الطرقات وبين المنازل وفي المزروعات وفي الهواء الذي يسكن روايانا… تحملنا السرقة والنهب والبلص، وتعاطينا مع فُتاتها، كمكرمة جليلة، من صاحب النهب والبلص… تحملنا الكذب والتبجح والتجريح والاهانات … كل ذلك كان مقبولاً. لكن أن يحكم على اللبنانيين بالإعدام السرطاني مع وقف التنفيذ، فهذا ما لا يقبله حجر.
اللبناني مهدد بالسرطان يومياً. مهدد بالإعدام يومياً، ولا يتحرك او لا ييأس…
هل يريد اعداماً اشد ايلاماً؟
لبنان، متفوق سرطانيا. مرتبته متقدمة. نموت أكثر من سوانا، بل، نقتل أكثر من غيرنا، ولا نتحرك.
بماذا أحلف؟ اننا نستحق ما يصيبنا… لم يخرج بعد أحد، شاهراً سيفه. فلنمت بصمت، على أن نشغل السنتنا قبل الرحيل، يقال فلان فلان عن فلان، بجبران باسيل وسمير جعجع، بالثنائي الشيعي المطمئن، بالتمثيل الدرزي الصافي، بالسنة الذين لا يشبهون سنة الحريري… فلنشغل أنفسنا بحكومة، أن ولدت، ستكون حكومة إجهاض الممكن، والاجهاز على المستقبل.
فيا، أيها الشعب اللبناني العظيم. انت لست عظيماً أبداً. ولا تستحق الا هذه التركة السياسية الحاكمة.
رجاء… إخرس.