انها الحرب، أن وقعت أو لم تقع. الهدف البعيد لهذه الحرب، اذا وقعت أو لم تقع، هو الخراب، لإعادة تركيب صيغة جيوسياسية، يخرج منها العرب، لصالح اسرائيل، ومن تحت ظلها وهيمنتها. صفقة العصر بحاجة إلى هزيمة ساحقة لمحور المقاومة. هزيمة بالحصار أو بالحرب، سيان. المطلوب نصاب سياسي أميركي ـ اسرائيلي، لا مكان ولا مكانة لأي عربي، وتحديداً، لأي “دولة” أو “دويلة” خليجية.
يبدو أن هذا بات ضرورياً جداً. هذه المنطقة استنفذت كل الصيغ المعروفة. الحروب الإسرائيلية انتهت. بعد هزيمة حزيران، ثم ما بعد حرب تشرين / أكتوبر، ثم ما بعد كامب ديفيد، ثم ما بعد أوسلو وخروج المقاومة الفلسطينية عن خط البندقية، ثم بعد وأد الانتفاضة الأولى، وقتل الانتفاضة الثانية، ثم ما بعد عمليات الغدر التي تعرض لها الربيع العربي، وانهيار دول كانت منيعة وانظمة كانت راسخة، وسياسات كانت جامدة، ثم ما بعد سقوط مصر والعراق وسوريا وليبيا واليمن، وتورط وتوريط أنظمة النفط الملكية والأميركية… ثم ما بعد كل ذلك وسواه، بات من الضروري تغيير قواعد هذه السياسات، التي لم تجلب سلاما وسلامة “لإسرائيل”، ولا تصفويا لفلسطين.
الوقت مناسب، لهذه الحرب، اذا وقعت أو لم تقع. الدول العربية التي كانت معنية بفلسطين، موقفاً أو كلاماً أو دعماً، ساجدة على خرابها واراداتها تائهة بين داخل يتآكلها، وخارج يهدد بالإطاحة بها، ولا يعفو عنها إلا بقبول صفقة القرن والالتحاق بالقافلة العربية والخليجية المستمرة في تغليب فلسفة الهزيمة والبقاء عليها.
الوقت مثالي جداً. لا بد من تغيير هذه الجغرافيا المتهالكة، من المحيط الى الخليج. النظام الدولي بات خرقة أو ممسحة تحت قدمي دونالد ترامب ودولته العسكرية والرأسمالية ذات الطموح في السيطرة على العالم، بمنطق، “أنا، أو لا أحد”. واضح ذلك، في كون الولايات المتحدة، هي الحاضر الدائم بكل ثقلها، لنقل المنطقة برمتها، لتصير في الحظيرة الأميركية فقط، وإلا…
أوروبا مشغولة جداً بمشكلاتها. اليمين المتطرف يتأهب لتسلم السلطة في أكثر من دولة. هذا اليمين، يجد نموذجه في ترامب. لا يفهم إلا منطق القوة والمصلحة. أليس لأجل ذلك، أقدمت المانيا على تقليد فرنسا وسواها، في اعتبار المقاطعة لإسرائيل، هي شكلاً من أشكال اللاسامية والعنصرية، وتستحق العقاب؟ لم تعد فلسطين تهم أحداً في أوروبا. يكرهون اسرائيل ومع ذلك يفضلونها على العرب، باستثناء “عرب” الخليج.
هذا النظام الإقليمي ينحدر الى هاويته. يتدحرج بسرعة الى القعر السياسي، الى العجز التام. عمق الخلافات العربية ـ العربية، لايقاس. عمق الخلافات بين الأنظمة وشعوبها لا يقدر بزمن. غربة تامة بين الشعوب وأنظمتها. لا بارقة أمل قريبة أو بعيدة، لإعادة صياغة سلطات ديمقراطية وقومية وعادلة حقوقياً وسياسياً واقتصادياً. كل هذه الأهداف النبيلة، تم التصويب عليها، ولقد تمت تصفيتها منذ عقود، وقضي عليها، بعد احتدام الصدامات بين الأنظمة وبعض شعوبها التي ارتدت الى العصر الاسلامي الحجري، قتلاً وارهاباً واقتلاعاً وتخريباً وإعداماً.
حجر العثرة الوحيد في هذه الجغرافيا البائسة، مقاومة جدية وحقيقية وقوية، وثبت بالتجربة انها تحقق تفوقاً في ميادين المواجهة مع اسرائيل العظمى، المؤيدة دولياً وعربياً واقليميا. هذه المقاومة مطلوب الغاءها، هي تحديداً، من خلال من يدعمها ويحتضنها ويراهن عليها ولا يتخلى عنها، مهما عظمت التهديدات.
ترامب واسرائيل ودول خليجية، يريدون رأس المقاومة، في لبنان وفلسطين، من خلال تقطيع العصب الإيراني المتمرس في الرفض.
هذه الحرب، اذا وقعت، أو لم تقع، الرهان هو على سلامة المقاومة وعلى سلاحها. “اسرائيل” تريد حرباً لا تشارك فيها ولا تكون على تخوم كيانها وسكانها. تريدها تحديداً في الخليج، على أن تتولى أميركا وحلفائها من ملوك ومشايخ النفط تمويلها وتزويدها بالعديد والمال.
فرضية غبية. أميركا في حرب مزمنة ضد المقاومة ومحورها، منذ نشوء المقاومة المسلحة، ولم تدرك أن حروبها، أو حروب اتباعها، لم تنتزع روح المقاومة وسلاحها وتصميمها. فلسطين، حية ترزق، ولم تقو عليها الأنظمة الظلامية العربية، ولا اسرائيل، ولا العالم الذي، يخشاها ويؤيدها.
هذا الكلام ليس أمنيات أو من باب الشعر. فلسطين بعد مئة عام، لم تمت. ولم تقتل. ولم تستسلم. غزة فلسطين أكبر من مساحتها. محاصرة من الجهات الأربع، وتخشاها اسرائيل. ولبنان، المتآكل سياسياً، والمتهالك اقتصادياً، يحفظ حباً أو غصباً، مقاومة ندية لإسرائيل.
السؤال: ماذا لو هزمت إيران؟
قل: على المنطقة السلام. ستتحول الى جحيم، لا ينجو منها احد، بمن فيهم الولايات المتحدة الأميركية واسرائيل.
أضغاث سياسة؟
لا. هذا أقل الإيمان بالحقائق والوقائع.