صباح الخير من لبنان، تقول المذيعة.
الحياة طفلة شقية مدللة لا يستطيع أحد توقع ما ستفعله بعد قليل.
لقد كانت الكورونا عذرًا جيّدًا استطاع العالم استخدامه لإظهار وجهه الحقيقي لأفراده، فاعترف لهم أخيرًا أنهم مستهلكون أغبياء وفئران تجارب في متاهة كبيرة.
بيروت مدينة موغلة في الزّهد حتّى النّخاع رغم عن اللي “خلفوها”
ريجيم قسري، ووجبات فطور خالية من الكورن فلكس والتّوست المقرمش. مدينة لم تنم ليلة أمس، لا ﻷنّ كؤوس النّبيذ أطارت النّوم من عيونها، فالمعدة الخاوية يكفيها صورة رغيف لتثمل! بل ﻷنّها كانت تحرس جراحها و خوفها.
نَشرةُ الأخبار و النَشرة الجَوية يُقَدِمُها الأنا حسب ما تؤول إليه الاحوال هنا:
و البِداية مَع أبرَز العناوين:
قواتُ جَميلَتي الاحتِلالية تُتابِعُ دُخولَها إلى قَلبي و تُرسِلُ كَلاماً مُدَججاً بِالغَزَلِ و الحُبّ.
تَقنينُ الكُهرُباء أصبحَ يُشبِهُنا كَعشاق، في كُلِ أسبُوع لِقاءٌ عمرَهُ ساعاتٌ قَليلة أو دَقائق.
وفي اتصال هاتفي:
الدُولار يَطير، الأسعار تُحلِق و مَعها عُقول و رواتِب المواطنين.
رجلٌ يَطلبُ مَهرَ إبنَتهُ غراماً واحداً مِنَ الذَهَب و وَأقيّةَ صنوبَر.
وكما وردنا الآن:
سوءُ الفِهم الذي حَصلَ لِلتَجَمُع في الأمس، لَم يَكُن مُظاهرةً شَعبيّةً، كانَ طابوراً أمامَ فُرنِ خُبز.
كَلِمة فاقد تُكتَب و تُختَم على كُل ما في البِلاد، و ما بَعدَ الكهرُباء و المياه و المَحروقات، الوَعي يضاف إليهم حَديثاً.
آلةٌ موسيقيةٌ جديدة تَنضَمُ إلى الأوركِسترا الوَطنيّة و تُدعى “القيثارة”، و أصبَحَت الفِرقة الموسيقية تَضُم:
آلافُ الرشاشات، مِئاتُ المدافع، عَشراتُ الدبابات، انين الفقراء و قيثارةً واحِدةً فقط !.
و النشرةُ الجَوية:
في الشَمال السوريّ: سيولٌ تُغرِقُ عَشراتُ البيوت و الخِيَّم، و السَبب دُموعُ الأهالي.
أما في المنطِقة الوسطى و الجَنوب فالحرارة مرتفعةٌ جداً، يَعود السَبب إلى عَدد الإصابات الهائِلة بِفيروس كورونا حَيثُ حرارةُ الأشخاص تُدفِئ الطَقس و نارُ الاشتياق تؤثِر على المناخ،
فَفي كُلِ مَنزلٍ نارٌ و شوق، هُنا مَن يَشتاقُ لِلمُغتَرِبين و هُناكَ مَن يَشتاقُ لِأكلِ اللُحوم والدجاج.
وبأسفل الشّاشة شريط أحمر بنبأ عاجل.
فقر .. وجيوب خالية بالكاد تتسع لدس كفين متورمين وباردين. اناس تائهون، ورجال يخفون خلف “كوفيات ملونة” عبرات ساخنة. مسامير لحم باتت موضة دارجة، واحلام دافئة تتبخر عبر الافواه .. اطفال على النوافذ تنتظر، ونساء في المطابخ يقرعن طناجر فارغة.
خوف قلق بشكل عام يعصف بكل شيء.
البيت و الشارع.
ترقب ..
واحاديث باردة في غرف النوم عن إنفجار وشيك ، وأن شرارة ما تلوح في الافق، و ثمة دخان مجهول المصدر يتصاعد من وقت لآخر، ثم يختفي.
وتلفزيون رسمي ينفي وقوع اي كارثة ، ومذيع بكامل أناقته يطل علينا بإبتسامة ماكرة. إذاعات صباحية مقززة تتنافس على إصلاح “ماسورة” ماء، او ردم حفرة، او حتى شجرة تعدت فروعها على طريق عام .
جرائد يتناسب قياسها مع طاولة طعام، وخامة ورقية إنحدرت جودتها ولم تعد صالحة لتلميع نافذة.
هدوء حذر ..
وصراخ كامن في الحلق، وثمة هدنة مؤقتة .. هدنة اخيرة على المحك،
ودخان مجهول المصدر يتصاعد من وقت لآخر، ثم يختفي.
وحريق .. يلوح لنا من بعيد، وقريبا سيلتهمنا جميعا.
وفي ملحقنا لهذا الاسبوع:
بلاد الممنوعات ..
ممنوع الوقوف و التوقّف. ممنوع الجلوس و التنفّس.
و الفرحُ مُدرَجٌ على البطاقة الذكيَّة التي أهانت بفكرة وجودها مفهوم الذكاء،
فترانا بوضعية القرفصاء، ننتظر أن تأتي مُخصصاتنا على شكل اجتماع عائلة أو سهرة حميمية مليئة بالضحكات التي دفعنا ثمنها على “الحُر” لرفع الدعم عنها منذ زمن.
كُلُّ شيءٍ في البلاد يتغيّر .. إلّا الحُزن
الحزن بقي محافظاً على سعره و جودته كرغيف خُبزٍ في العام 2009.
الحزن هو حقول قمحنا قبل الحرب .. نقي و مُغذٍّ و متوفّر للجميع،
ومسموح تداوله..في بلاد الممنوعات.
وفي نهاية النشرة:
لا أعلم ما الذي يدفع الناس إلى الافراط في التفاؤل، ولا أعلم أيضاً من أين لهم بكل هذا الأمل.
إن قلنا أنه حُسن ظنّ بالله سنقع في مشكلة أكبر، لأن السؤال التالي سيكون عن أيّ إله يتحدثون؟ أيّ إله هذا الذي قال لك أغمض عينيك وأنا سأقودك؟
وإن قلنا أنه حُسن ظنّ بالبشر، فستكون هذه أكبر نكتة تفاؤلية قيلت، لأن الخذلان يحمل بصمة واضحة في صوت كل متفائل، لدينا تاريخ حافل من الخذلان البشري.
أما إن قلنا أنه حُسن تدبير، فهنا، لا شأن للتفاؤل والأمل في ذلك، الأمر يصبح أبسط وأسهل وأقل تكلفة نفسياً. أن تُحسن التدبير يعني أنك ستصل إلى ما تريد، وليس شرطاً بالطبع أن تحصل على ما تريد. للصدفة والحظ دور مهم في كثير من الحالات، لكن حُسن تدبيرك يرفع من إمكانية حصولك على ما تريد.
لاشيء يدعوك للتفاؤل بأن حال البلد الذي تعيش فيها ستصبح أفضل والمسؤولون فيها يتسابقون على السرقة، والإمكانيات في شح، والأسعار في ارتفاع، والناس في ضيق.
لاشيء يدعوك للتفاؤل بأن غداً أجمل لأنك لم تلاحظ جمال اليوم. فكيف لك أن تلاحظ جمال الغد عندما يتحول إلى اليوم. الشتاءُ قاسٍ علينا و الصيفُ يشوينا،
و ربيعنا مليئٌ بنوبات الربو التحسسية و الخريف لا نلمح منه إلّا أوراقهُ التي هرّت من بقايا الأشجار التي لم تُقطع.
ربما لو كُنّا في مكان آخر.. مكان بعيد،كان سيحقُّ لنا أن نختار الفصل الذي يُناسبنا لنكون من عُشّاقه و نمارس طقوسه كما نشاء.
نعيش في عالم نحتاج فيه إلى التنفيس عن أنفسنا واستخدام حالّات القلق والتوتر المتنوعة. بدل أن نصنع عالمًا لا توتر فيه.
و لكنَّنا هنا.. لا يحقُ لنا إلّا أن نُعاني من كُلِّ الفصول و نلعنها.
نحن سكان سابع أرض .. خسفَاً.