منذ اربعمئة وخمسين عاماً، كتب “مونتاني” ما يلي: “أخبر بعض علماء الجغرافيا والرحالة في العالم، أن بعض القبائل، ينصبون احياناً، لأسباب قبلية، كلبا ملكاً عليهم”.
لم نصل بعد إلى هذا المستوى “الديموقراطي”. لا تزال القبائل اللبنانية قادرة على الفصل بين الحيوان والانسان، بكلفة عنصرية باهظة… لدى القبائل هذه فضيلة الطائفية، تعصمها عن الصواب وتقودها إلى تدني المستوى الانساني إلى درجاته السفلى.
فجأة، يكتشف الطيبون من اللبنانيين، أن في لبنان عنصرية. فاجأتهم حادثة الحدت. رفض بيع او تأجير بيت، لمسلم. هذا أمر غير مقبول. العنصرية هي الكتاب المقدس. العنصرية هي الآية الأولى في كتاب الطائفية المعصوم عن الصواب… مساكين هؤلاء العلمانيون لديهم بصيرة نقية، وبصر معدوم. غريب الا يكتشفوا أن لبنانهم هذا، هو كيان مبني على العنصرية. الطائفية عنصرية صافية. وهي متداولة باتفاق وتفاهم وتعايش مغشوش. من زمان، قلما تجد قرية يسكنها الدروز والشيعة، ونادرة القرى التي يتساكن فيها الشيعة والسنة. ثم، قلد المسيحيون اندادهم الطائفيين. قبل الحرب. تساكن المسيحيون مع كل الطوائف، من اقصى الشمال إلى اقصى الجنوب ومن البحر إلى منعطفات جبل الشيخ. الحرب الطائفية ـ العنصرية، ألغت التواجد المسيحي في مناطق الاغلبيات الاخرى. لكل طائفة كانتونها. ولا يغيب عن بالنا ابداً، أن القتل على الهوية، هو الأوكسجين العنصري، حيث العنصرية، لا تعني النبذ والاحتقار، بل تصل إلى حد الإلغاء. فتذكروا يا أولي الألباب. لديكم سجل حافل بالمجازر والقبائل والطوائف.
غريب، غريب جداً، أن لا يعرف اللبنانيون بلدهم، وأن يفاجأوا بموقعة الحدت. فكلكم حدت. في كل حي مختلط حدت. كل كانتون نقي وصاف هو حدت. الحدت عاصمة بين عواصم الطوائف. التعايش كذبة.
أما إذا تواجدت أقلية من طائفة إلى جانب أكثرية من طائفة أخرى، برز التكاذب كوسيلة وحيدة للتعايش المر. الأكثرية تطغى على الاقلية. في بعض المناطق تعيش الاقلية كأهل ذمة. “فالصو”. التكاذب بين العناصر المكونة للعنصرية اللبنانية، أقوى من الاخلاق والقيم، وأقوى من منظومات العدالة والديموقراطية. لذا، لا مواطنة مع الطائفية، النابذة والمتنابذة.
المشكلة الوحيدة في هذا السياق، هي في كون اللبنانيين يسيرون بسرعة إلى تكريس الانقسام، على مستويات العيش البحت. لقد تقاسموا الادارات والمؤسسات والجامعات والمستشفيات والعقارات، قسمة ترقى إلى النموذج العنصري، مع عنف مكبوت، يحتاج فقط إلى مناسبة سيئة، لتفجير الاحقاد.
الشعور بأنك اقلية وسط اكثرية، هو نتاج السلوك الطائفي العنصري. تذكروا كيف تستيقظ العصبية بحدة، إذا استبدل موظف او مدير او مسؤول او استاذ جامعي، بمن هو من غير طائفته. اياكم أن تظنوا أن طائفية ما، هي اقل عنصرية من طائفة أخرى. فكلكم في الكارثة سواء.
والغرابة المجنونة، هي في إصرار الكثيرين على التغني بلبنان، بطريقة تثير الاشمئزاز والشفقة معاً. يهتفون للبنان، وهو مضرج بالكوارث والفضائح، ومتأصل في التخلف وانعدام الخلق واغتيال الحقوق.
ليس لائقاً أن يمدح اللبنانيون أنفسهم. معيب هذا التنظيم الاعلامي وهذا الهوس في إعلاء لبنان فوق الجميع، فيما هو مُداس من قبل الاقليات العنصرية… مع الطائفية المستبيحة لا وجود لوطن يدعى لبنان. هناك كيان سياسي تلتم فيه الطوائف لتمارس طقوسها العنصرية المجزية. قانون الانتخاب الاخير، نموذج للتفوق العنصري المتعادل.
أما الطوباويون، فليس امامهم سوى الحسرة والفشل. إنهم انقياء جداً، في كيان ملوث بالنفايات السياسية العنصرية.
نختم الكلام بخوف على المستقبل. فمثل هذا الحاضر وذلك الماضي، يعيدنا الى تلك القبائل التي انتخبت كلباً ليحكمها.