لا صحة لجمع المذكر السالم. اللبنانيون عصاة على الجمع. يعيشون في شتات الانتماء السهل. الوراثة أهم من العقل ومتفوقة على النبوة. الطائفة موطئ قدم، لا مكان فيها للروح ولا مستقر للدين. هي من سلالة التعصب والعصابة. يرتاح اللبناني إلى قرينه وشبيهه في الآية التي بلا روح. تصير العصبية حزباً يلم آباء وابناء واحفاد بالوراثة. لا كلفة لبلوغ هذا الجمع الغفير. النفير الطائفي يستثير أفظع الغرائز، ويقتل أنبل ما في الروح وأعمق ما في الدين. يتحّول الطائفي إلى سياسي. يرى بعين واحدة، وما يراه الزعيم يصير حلالاً إلزاميا، حرام النقاش فيه او التعديل. يتقمص الطائفي زعيمه. وزعيمه، هو الأقوى في طائفته، ولو كن بعد غراً او وليداً او يحبو على يديه.
ولا فرق بين طائفي وطائفي الا نادراً…
فلا صحة لجمع المذكر السالم. النداء الذي يوجه لسكان لبنان، خاطئ. فلا يقال أيها اللبنانيون، بل، أيها المستوطنون في عقاراتهم الطائفية والمذهبية.
من أنتم؟ هذا نحن، باستثناء من تحرر من الفباء الطائفة، ومن لغتها الرسمية والشعبية والعقدية، ومن خيراتها الآتية من السبي المباح، حيث يحق للطائفيين التمتع بفائض عقاراتهم السياسية وتوابعها.
لبنان السياسي، صورة عن هذه المشهدية المزمنة والمتمادية حاضراً ومستقبلاً. النظام هو ناظم علاقات التنابذ والتصالح والمنافع. الدستور، حبر على ورق، يصلح لمن عنده دولة. لا دولة عندنا. لدينا دويلات، وكل دويلة، اقوى من “الدولة”… السلطة، حكر على ممثلي الطوائف الاقوياء جداً. لا مفر من سلطة تتعايش على تكاذب وتكالب وتآكل. الناس، غائبون او مغيبون. يتم استدعاؤهم عند كل منعطف اغتصابي. اكلة الجبنة ليسوا عادلين. شهوات الاقوياء جداً تنقضَّ على حصص الضعفاء.
لبنان السياسي، لا وجود له الا منقسماً. كل فريق يحتمي ببيئته الحاضنة. وهذه تحشد اصواتها ومهجها، دفاعاً عن حصة في التأليف او عن حصة في الرغيف. انها سياسة العض بالنواجذ على ما تبقى من الدولة من عظام مجرومة.
الديون، الفساد، الاهتراء، القضاء، التنمية، الكهرباء، الزبالة، التربية، التعليم، الهجرة، الغلاء، السلبطة، الاعتداء على الاملاك، احتلال الشاطئ، الايجارات الباهظة لمؤسسات الدولة، الضمان الصحي، نحر الزراعة، تبديد الصناعة، هجرة الريف، المياه الملوثة، السماء الملوثة، الضمائر الملوثة، الايادي الملوثة… كل هذه، ليست من اختصاص الطوائفيات المتحدة حينا، والملتحدة احيانا. ناهيك عن الاحلاف الميسورة مع قوى ودول، تكن العداء، عادة لنصف لبنان.
غير أن في لبنان، ما لا يحصى من اللبنانيين الطالقين من انتماءاتهم الطائفية. هؤلاء، موجودون وغير موجودين ايضاً. انهم هنا، وتبحث عنهم فلا تجدهم الا فرادى. تخلوا عن جماعاتهم الطائفية، ولم ينتموا إلى جماعات لا طائفية. اللبنانيون هؤلاء، ماذا ينتظرون؟ انهم القوة الأوهى راهناً. لا يعوَّل عليهم. ليسوا حزباً، او احزاباً. ليسوا نقابة او نقابات. ليسوا الا تجمعات صغيرة، بالكاد يُسمع لها صوت. واسوأ ما يصيب هذه الفئة النظيفة طائفيا، انها باتت مستعبدة لآليات السوق. وللسوق فلسفة تدميرية، لأنها تفلت غرائز الانسان الذي لا يشبع، او تحرمه من فتات السوق الذي لا يطعم جائعاً ولا يروي غليلاً. لقد اقتلعت عقيدة السوق الثقافة والتاريخ والاوطان، وألغت الحواجز والعادات الخاصة والتقاليد النضالية من اجل إقامة نظام اوحد، يجد فيه العلماني والطائفي، مكان اقامة الزامي.
إن نظام الاستهلاك، بات ديناً جديدً، وطوائف حديثة. السلعة هي “الصلاة والقداس والقربانة”، وتسبق الآية.
إن زواج السلطة والمال والدين والاعلام، هو خراب للعمران والانسان. ونحن نعيش من هذا الرحم الذي يقذف بنا إلى منصات الاستهلاك. هذا النظام الشمولي، يطال لبنان، ويحرم الكائن اللبناني من بشريته وفرديته وثقافته.
الطوائف تسيطر على اتباعها،
والسوق يسيطر على من تحرر من الطائفية.
والسوق في لبنان. إلى جانب كونه استهلاكي تام، فإنه واقع في قبضة قراصنة الطوائف والمال والتيارات “المتصالحة” على مضض.
أيها اللبنانيون، أين أنتم؟
انهم في كل مكان يقيمون، الا حيث يجب أن يكونوا: أي في المواجهة مع هذا النظام المستشرس والمهلهل في آن، مهما طال الزمن. كل اقامة خارج تكوين قوة ضغط لبنانية، هي اما اقامة في العراء الوطني، او في الخيام الطائفية.
احزنوا كثيراً على حالكم. انها حالة ليرثى لها.