يوم توقفت “السفير” شعرت كأني أصبت مرتين مرة بصفة شخصية ومرة بصفة عامة.
أما الأولى الشخصية، فقد سبق وعبرت عنها للأخ طلال يوم قلت له كنت لما اقرأ لك في غير السياسة اتمنى أن يتوفاني الله قبلك عسى يسعفني الحظ بمرثاة منك لأن ليس كمثل كلامك حلاوة كلمة وصدق عاطفة ورفعة ادب.
اما الثانية فقد هالني أن يصمت صوت الوطنية والعروبة وتستمر تصدح اصوات الطائفية والانغلاق والتبعية.
يوم ولدت “السفير” منتصف السبعينات من القرن الماضي شكلت ولادتها محطة امل بإمكان العودة إلى مسار النهوض مجدداً بعد تتالي النكسات وتعثر النهوض.
وأمل العودة إلى امكان النهوض مجدداً.
تمثل بما حملت “السفير” منذ انطلاقتها من توجهات وهي برأيي تلخص بأربع: العروبة، الوطنية، الحريات العامة والعدالة الاجتماعية ونصرة المحرومين.
رايات أربع حملتها “السفير” طيلة مسيرتها ومنذ نشأته: راية الوطنية وراية العروبة وراية الحريات العامة، وراية العدالة الاجتماعية.
الوطنية بما هي انتماء موروث محايد جامع إلى ارض ووطن تجمع بالمصلحة المشتركة وتوحد بوحدة الارض وتشكل قاعدة العمل السياسي الديموقراطي الوحيدة.
التمثيل الديموقراطي تمثيل الشعب أي المواطنين وليس مطلقاً تمثيل ما يسمونه شرائح ومكونات او طوائف وقبائل. الوطن والمواطن والشعب بما هو مجموع مواطنين هو الراية الوحيدة الجامعة التي حملتها السفير في مواجهة الطوائف والشرائح والمكونات المفرّقة والمدمرة.
العروبة بما هي قاعدة تضامن ومساواة مبنية على موروثات ثقافية حضارية جامعة وموحدة وبما هي افق رحب لتحقيق الإنماء والتقدم والخروج من التخلف ومن ثقافة القرون الوسطى هي الراية الثانية التي حملتها “السفير” طيلة مسارها فكانت “السفير” كما شعارها وعن صدق سفيرة العروبة في مواجهة الصهيونية.
العدالة الاجتماعية بما هي الدفاع عن المحرومين وعن مناطق الحرمان التي ينتمي اهل “السفير” وانا منهم اليها شكلت الراية الثالثة التي رفعتها “السفير”. وشكلت الحريات العامة راية الرافعة السياسية لمفهوم العروبة الذي حملته “السفير” إلى العالم العربي والإضافة التي ميزت عروبة لبنان.
اليوم ومع توقف “السفير” نكست الرايات الأربع فتزامن مع توقفها صعود مدمر للطائفية في لبنان وصراعات مذهبية مدمرة ونشوة صهيونية عارمة تجتاح المنطقة العربية من اليمن إلى الباب السورية انه الربيع الصهيوني في العالم العربي.
المؤلم أن تتوقف “السفير” والمسار الوطني العروبي الديموقراطي الذي حملت راياته، وان يستمر صوت الطائفية وصوت العصبيات المذهبية الموروثة العمياء وان تستمر اصوات ومسارات التفرقة والاقتتال.
يبدو يا أخي طلال أنك اخترت أن تسكت “السفير” يوم ثبت انه لم يبق مصغٍ لصوت وطني ولا مصغٍ لصوت العروبة ولم يبق من آذان الا لأصوات الطوائف والمذاهب.
ويوم خفت صوت العدالة وارتفع صوت الفساد وترسخ نهج نهب المال وضمرت الحريات العامة وعلا صوت التيارات والجاروفات الطائفية.
تصور حتى التكتلات السياسية غيروا اسمها ومضمونها فباتت تسمى تيارات تجرف بالعصبية الطائفية العمياء من في دربها اومن يقع فيها،
ولم تعد احزاباً او لقاءات او جبهات ينتسب اليها بالإرادة الحرة والاختيار العاقل.
بعد سكوت “السفير” وتوقف القلم يبقى الصوت الحي فإلى أن يبح او يسكته صوت الموت سوف نستمر نحكي الوطنية والعروبة والعدالة والحريات والاخلاق السياسية ونُحاكي اهل العقول والارادات الحرة المتبقية، ونفضح اهل العصبيات العمياء، هكذا نسهم، وعلى قدنا، بالرسالة التي حملتها “السفير” طيلة اربع واربعين عاماً رسالة الوطنية والعروبة والعدالة والحريات العامة ونكرم ونقدر مسيرتها النضالية وهذا اضعف الايمان.
كلمة القيت في الحفل التكريمي لجريدة “السفير” الذي اقامته جمعية التخصص والتوجيه العلمي في 2017/3/23