حين تعبر الطائرة البابوية أجواء لبنان، في طريقها إلى دمشق، سيكون بديهياً أن يسأل البابا يوحنا بولس الثاني مرة أخرى عن أحوال »البلد الرسالة« الذي خصه، عند زيارته في مثل هذه الأيام من العام 1997، ب»الإرشاد الرسولي«، الذي تمنى فيه وعبره »رجاءً جديداً للبنان«…
لعله سيسأل عن مضيفه اللبناني البطريرك الماروني الكاردينال صفير، ورفاقه من أهل الكهنوت، وعمّا قدموه، من ضمن الجهد العام، من أجل »أن يكسب اللبنانيون تحدي المصالحة والأخوة« لكي »ينبت الشعب كنخلة وينمو كأرزة لبنان«.
ولعله سيسأل عن مدى التقدم الذي أحرزه اللبنانيون عموماً في »هدم الحواجز التي أمكنها أن ترتفع في حقب من تاريخ وطنكم الأليمة«…
وهو بالتأكيد سيسأل عن مدى تلبية المسيحيين دعوته »لمتابعة دورهم العربي المميّز«.
سيطرح البابا أسئلة كثيرة قبل الوصول إلى »مهد المسيحية«، وسيطرح أكثر منها وهو يجول في أقدم مدينة استمرت آهلة عبر التاريخ، دمشق، واستقبلت في جملة من استقبلت رسل المسيحية الأوائل ليباشروا نشر الرسالة.
وسيكون مؤسفاً أن تجيئه الأجوبة من بيانات مجلس المطارنة الموارنة، لا سيما منها النداء البلاغ الرقم واحد في 20 أيلول 2000، أو بيان قرنة شهوان الذي نطق بلسان بكركي، الأسبوع الماضي.
بالمقابل سيكون مفجعاً أن يستخلص قداسته الردود على أسئلته جميعاً من خلال ما قاله الوزير سليمان فرنجية، بصراحة جارحة كالحقيقة، في مقابلته التلفزيونية، أمس الأول، والتي تشير إلى أن مضمون الإرشاد الرسولي قد ذهب مع الريح: فلا »تبلور الوعي بالمصير الواحد الذي يربط المسيحيين والمسلمين في لبنان وسائر بلدان المنطقة، ولا تم تعزيز العيش المشترك، ولا تمت المحافظة على روابط التضامن مع العالم العربي وتعزيزها«.
يكفي أن يتبيّن البابا أن وصوله إلى دمشق، ماخراً عباب الحروب الصليبية بذكرياتها السوداء، كان هيناً عليه (وعلى السوريين) في حين ظل صعباً على »بطريرك أنطاكية وسائر المشرق«، الماروني، والذي جاء القديس الذي نسب نفسه إليه، مار مارون، من سوريا، أن يمضي ساعة في السيارة لبلوغ دمشق والمشاركة في الاستقبال، لإظهار الحرص على عدم القطع مع الأهل، وللقيام بواجب الضيافة بوصفه من أهل البيت، وابن الكنيسة الشرقية التي يجيئها البابا معتذراً عن أخطاء الماضي وخطاياه، التي كان أهل هذه البلاد بالمسلمين والمسيحيين بين ضحاياها.
لا مجال لطمس الحقائق، فالأمكنة والرموز تنطق بها قبل الكتب، والبابا سيجول في قلب مهد المسيحية وهو يتنقل، متبعاً خطى بولس الرسول، على الطريق بين بيت المقدس وبين المدينة التي تحتضن كراسي بطاركة »أنطاكية وسائر المشرق« كافة، في ما عدا الموارنة، ولأسباب »مسيحية« أولاً وأخيراً.
وبين المسجد الأموي، حيث يرقد يوحنا المعمدان، الذي يسميه المسلمون »النبي يحيى«، ويشاركون إخوتهم المسيحيين في تقديسه وبين القنيطرة بوابة فلسطين، سيكون على البابا أن يعبر من أمام ضريح صلاح الدين، الملاصق تقريباً للمسجد الأموي العريق، والذي ليس في القصر الجمهوري بدمشق صورة لغير موقعته المظفرة في حطين.
زيارة سوريا فلسطينية، بالضرورة، ولبنانية أيضاً ولو غاب البطريرك، أي إنها عربية بالمطلق، فالمسيحية بين مكونات العروبة وليست خارجها.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان