تحولت قضية الجزيرتين المصريتين تيران والصنافير إلى مهزلة قانونية فضلاً عن كونها كوميديا سوداء مصرية.
لقد قرر “الرئيس”، من دون سابق انذار، أن “يهدي” الجزيرتين المن دون سكان إلى المملكة العربية السعودية، بذريعة أن “الوثائق” تشهد بملكيتها لهما..
لماذا استفاق “الرئيس” فجأة إلى هذه الجغرافيا السياسية؟! لا أحد يعرف.
ولماذا قرر التنازل عن الجزيرتين البلا سكان لتلك المملكة التي لا يكاد سكانها يملأون 5 في المئة من مساحة المملكة المذهبة؟ لا أحد يعرف!
وما دلالات توقيت هذا الاعتراف، إن لم تكن الوطنية المصرية هي الهدف؟!
إن استرضاء السعودية لا يتطلب التنازل عن الارض.. يكفيها التنازل عن الموقف (وهذا يمكن أن يذهب بالأرض جميعا)،
ثم هل ضاقت اراضي السعودية التي تعادل قارة رملها ذهب وتحت رملها كنوز الارض، حتى تتبرع لها مصر التي يعيش حوالي المائة مليون مصري فقير على أقل من عشرة في المائة من مساحتها الصحراوية … علما أن شبه جزيرة سيناء ما تزال “تحت اشراف” العدو الاسرائيلي، واتفاق الصلح الساداتي معها، والذي ما زال مرعياً إلى حد التقديس، يمنع دخول الجيش المصري إلى ارضه هذه.. ولقد تكرم العدو الاسرائيلي فسمح أخيراً بدخول بضع مئات من الجنود المصريين إلى سيناء بذريعة مكافحة الارهاب، لكن الطيران الحربي ممنوع، والدبابات ممنوعة، واستخدام الشواطئ المصرية المتاخمة لسيناء سواء من جهة البحر الابيض المتوسط او من جهة البحر الاحمر ممنوع..
لقد أهينت الكرامة الوطنية عبر قرار التنازل المجاني المذل هذا مرتين بل ثلاثاً: فحين رفضه الشعب تذرعت السلطة بالقانون، وحين رفضت المحكمة العليا هذا التنازل عن ارض وطنية، لجأ النظام إلى الاستئناف امام محكمة أدنى… ثم ذهب “الريس” إلى المملكة على طريقة: “قد جاء يعتذر ـ لا تسله ما الخبر؟”.
… ولو أن التنازل كان من اجل الإعداد لحرب تحرير سيناء ومحاولة توريط السعودية بدعم مصر عبر التحايل، لكان ذلك مفهوماً.
أما التنازل المجاني عن ارض يعتبر المصريون انها بعض ارضهم الوطنية، وانهم دفعوا انهاراً من الدم القاني في محاولة لحفظها وحمايتها من العدوان الاسرائيلي، لكن الهزيمة حكمت على مصر برفع الحصار من دون أن تلغي ملكيتها للجزيرتين.
أما هذا التنازل المجاني الذي يخصم من كرامة مصر من دون أن يضيف إلى مساحة السعودية الا في السياسة، أي بمعنى الاصرار على الصلح مع العدو الاسرائيلي وبشروطه، فلا يمكن فهمه الا كإهانة جارحة للكرامة الوطنية المصرية التي لن تعوضها السعودية التي باشرت الصلح مع العدو الاسرائيلي، من دون اعلان.. ولقاءات الامير تركي الفيصل، والتي تقصد أن تكون علانية. كانت الخطوة الرسمية الأولى وفاتحة الاعلان عن تمدد الهيمنة الاسرائيلية إلى الجزيرة والخليج، خصوصاً إذا ما تذكرنا أن لإسرائيل سفارة في قطر، ولها تمثيلاً دبلوماسياً غير معلن مع دولة الامارات، ولها علاقات تعاون مفتوح مع البحرين بذريعة مكافحة النفوذ الايراني..
ولعل في هذه الوقائع “مفتاحاً” لفهم الحرب في سوريا وعليها، ومن قبلها الحرب على العراق وفيه، تمهيداً للتخلص، نهائياً، مما كان يسمى “جبهة الصمود والتصدي” التي لم تحقق صموداً ولم تنفذ التصدي الموعود.
إن النظام العربي يدمر آخر ما تبقى من مقومات السيادة والاستقلال، فضلاً عن انتهاكه “العروبة” وشرشحتها، بحيث بات العرب العاربة لا يخجلون من التنصل من هويتهم القومية، فما بالك بالعرب المستعربة؟!
… والله زمن يا سلاحي!
ينشر بالتزامن مع السفير العربي