نماذج عربية لحل مشكلة الانقسام بالديموقراطية الأميركية!
توجه الرجل الظريف الى قريبته العجوز يسألها: هل انتهى الأمر على خير؟!
ردت العجوز بشيء من التباهي بقدراتها التي يبدو وكأن الآخرين يستهينون بها: طبعا.. لست غبية، ولست قاصرة. سألوا فأجبت، تذاكوا عليّ فتغابيت، وكان الختام تهنئة منهم بأنني قد صرت »سيتيزين«. صرت أميركانية مثل التي كانت تفحصني وتتشاطر عليّ!
داعبها قريبها الذي أمضى زهرة شبابه عاملا فنيا في منتجع سياحي في فلوريدا، بسؤال: كان الامتحان صعباً؟!
قالت: أبداً. سألوني من هو مؤسس »الستايت« فقلت انه »ابراهام لنكولن«، ومن هو أول رئيس فأجبتُ انه »جورج واشنطن« فقالوا: برافو! أنتِ الآن »سيتيزين في الستايت«. أنتِ أميركانية!
ولمن ستعطين صوتك في الانتخابات المقبلة؟!
ردت بشيء من الارتباك: وما الفرق؟! أليس كلينتون هو قريب الاثنين؟! على أي حال سوف اسأل إبني فأعرف من منهما »يخصّنا« و»نخصّه«!
استذكرت هذه الواقعة التي كنت شاهدا على مجرياتها عندما علقت قاطرة الديموقراطية الاميركية أمام أكوام صناديق الاقتراع وأكداس الأصوات في بعض أقلام فلوريدا.
ضحكت في سري، ثم في العلن، وأنا أتخيل ان صوت العجوز المتحدرة من أصل لبناني، والتي لم تدخل نعيم المواطنية الاميركية إلا قبل شهور قليلة، برغم انها انتقلت لتعيش هناك منذ سنين بعيدة، قد يقرر مصير الانتخابات ويحدد اسم الفائز بالرئاسة، وبالتالي بموقع صاحب القرار في الشؤون الكونية جميعا!
أمّا ديموقراطية صحيح!
.. بينما عندنا فان الجنين يعرف، ومن قبل أن يجيء الى الدنيا اسم سلطانه، فهو يجيئه كما الجينات بالوراثة، ويستمر معه ثم يبقى بعده.
بل ان الجنين عندنا يعرف ويقدس أسماء سلاطين عدة: سلطانه في الطائفة، وسلطانه في المنطقة، وسلطانه على مستوى الدولة، ثم سلطان سلطانه على المستوى الكوني!
فالديموقراطية وراثية هي الاخرى، يأخذها اللاحق عن السابق، ولذا يكاد ينعدم الخطأ، وتسود الشفافية ويجري كل شيء حسب الأصول والتقاليد المرعية.
أما الديموقراطية الاميركية، مثلا، فمن الهشاشة والركاكة بحيث كادت تنكسر بعدد محدود من الاصوات… ولقد تابع العالم كله »دورة« تثقيفية منهكة، على امتداد أيام طويلة، في محاولة فهم العملية الانتخابية الاميركية المعقدة التي بلغت ذروتها »بتعليق« النتائج، ومن ثم اسم »الرئيس الجديد« فوق لوحة المصادفات القدرية او الخطأ في الاحتساب، جمعاً وطرحاً، إثباتاً للانقسام الحاد في مجتمع »العالم الجديد«.
.. ولأنه لم »يفهم« آلية هذه العملية العجيبة فقد اكتفى بأن يعبّر عن انبهاره بعبقرية »الناخب« الاميركي، لا سيما اذا كان من صنف تلك العجوز المتحدرة من صلب الديموقراطية اللبنانية التي لا يأتيها الخطأ من أمامها أو من خلفها أو من على جنب!
* * *
الديموقراطية العربية أنواع شتى، بحيث تتسع دائرة الخيار ويضيق هامش الإكراه او القسر او الفرض والعياذ بالله!
هناك ديموقراطية »المبايعة« التي تكفي فيها المصافحة إعلانا للرأي، وإن كانت غالباً ما تتم مصحوبة بهتافات تشق عنان السماء معلنة الاستعداد لافتداء صاحب البيعة بالروح والدم وما اتصل بهما!
هناك »ديموقراطية السيف« لمن فتح الارض وأخذ أهلها عنوة ثم أطلق لهم الحرية في أن يختاروا بين التسليم به سلطانا فتكون لهم السلامة والعطايا، او يخرجوا الى حربه حتى يتم الأمر لأحد الطرفين وينظر في أمر معارضيه والخارجين عليه فيعفو أو ينتقم لكي يعم الرضا فلا يقول أحد »لا« قط إلا في تشهده!
وهناك ديموقراطية »الحق الإلهي« حيث الاعتراض كفر، ويحق على الكافر عقاب أليم، إذ »لكم في القصاص حياة يا أولي الألباب«… فمتى ساد الايمان ساد السلام ورفرفت أعلام الديموقراطية فوق قصور أمير المؤمنين، وتسابقت الرعية الى المباركة وإعلان التأييد بتقبيل يده الشريفة، ومن لم ينعم بلمس اليد اكتفى بلثم الركبة او الساق وعاد مبتهجا وقد أدى واجبه الانتخابي على خير وجه!
وهناك »ديموقراطية توكيد الجدارة«، التي يأخذ فيها السلطان الحكم بيديه الجبارتين ثم يستفتي الشعب، فيخرج جميعا ليقول »نعم«، ويزيد بعضهم فيقول »نعمين«. وفي ظل روح التسامح يتم إصلاح الخطأ في ورقة من أخطأ فقال »لا«، فاذا »الاجماع« منعقد من حول السلطان الغفور الرحيم الذي لا يأخذ الناس بهفواتهم بل يساعدهم على طرد الشيطان الرجيم من عقولهم التي يوسوس فيها وهو الوسواس الخناس!
أخيرا هناك »ديموقراطية صوت واحد لسلطان واحد« وهذه أبسط أشكال الديموقراطية، إذ يقول السلطان فيوافق شعبه برفع الأيدي وهز الرؤوس وإلا »وضع العمامة«… فعرفوه وأيّدوه وارتفعت أصواتهم بالدعاء له بالصحة وبطول العمر ودوام عزّه فوقهم!
في كل الحالات فان الديموقراطية العربية بسيطة جدا، سريعة جدا، وفعّالة دائما، وشافية من كل أمراض العصر كالانقسام، واختلاف الأمة، بسبب من العرق او اللون او الفكر السياسي او الدين فالكل لواحد وواحد للكل.
وسبحان من بيده الأمر وعنده علم الساعة والذي لا شبيه له ولا شريك ولا بديل منه وهو الذي إذا أراد »ديموقراطية« قال لها: كوني! فتكون ولا يكون غيرها أبدا!
تحية للذين بدّلوا اسمهم الرسمي وما تبدّلوا!
مساء الثلاثاء في السابع من شهر تشرين الثاني الجاري، قصدت مبنى »السفارة« الحصين والذي طالما زرناه في الماضي للقاءات حوار ممتع مع بعض السفراء الكبار الذين كانت توفدهم موسكو الى بيروت فيؤكدون عمق الصداقة السوفياتية العربية، واتساع أفق المعرفة بالشؤون اللبنانية المعقدة والتي تختزل مختلف جوانب الصراعات في المنطقة العربية ومن حولها.
كانت المناسبة، هذه المرة، شخصية، فلقد تم اختياري لأكون أول صحافي عربي يمنح جائزة الصحافة الدولية التي تحمل اسم دبلوماسي ممتاز ومستعرب كبير وشاعر فنان هو الراحل »فكتور بوسوفاليوك« والتي تقرر في أمرها لجنة خاصة تشارك فيها وزارة الخارجية الروسية ووكالة إيتار تاس للأنباء، وقد أوفد مديرها العام والشخصية المعروفة فيتالي اغناتينكو خصيصاً لتسليمي هذه الجائزة التقديرية.
في الحفل البسيط تجلت مفارقات عديدة بدءا بالتاريخ وانتهاء به:
} فيوم السابع من ت2 (نوفمبر) كان عيد الثورة الاشتراكية العظمى، يحتفل به رسميا في أربع رياح الارض، فيتحول الى مهرجانات شعبية ترتفع فيها الرايات الحمراء وتلك الشعارات الواعدة بتحقيق أحلام الشعوب في الحرية والخبز والتقدم وتحويل الأرض الى جنة يعم فيها الخير ويرفرف عليها السلام.
أما اليوم فهو ما زال يوم عطلة ولكن بوصفه »عيد الوفاق«، ولم تعد تجري فيه احتفالات من أي نوع.
} ثم إن كل الحاضرين من الروس كانوا »شيوعيين«، وكانوا وما زالوا في الادارة الروسية البديلة و»المعادية« للشيوعية والمنتهجة سياسة »دعه يعمل، دعه يمر«، وقد مرت »المافيا« بكل الثروات الروسية الى خارج تلك البلاد التي تتميز شعوبها بالطيبة والبساطة والصدق وروح التضحية، والتي كثيرا ما حرمت نفسها الخبز لتقدمه كمساعدات الى الرفاق والاصدقاء في أربع رياح الأرض!
} والجائزة الدولية تحمل في حيثياتها تعبيرات من الزمن الجميل القديم، وتقدم الى رفيق سلاح للذين كانوا وما زالوا يقومون بالامر اليوم، فهي اذن مبنية على وقائع ومواقف سابقة.
} والسفير الروسي الجديد في بيروت يبلغني بود انه عمل لسنوات مع السفير السوفياتي السابق في بيروت الخبير والمحلل الممتاز كولوتوشا، وهو صديق حميم للعديد من المهتمين والمعنيين بالشأن العام في لبنان، وقد شهد ومن موقع مؤثر احداثا خطيرة اهمها الاجتياح الاسرائيلي للبنان واخراج المقاومة الفلسطينية منه سنة 1982.
كنا نتحرك كأنما في اطار تاريخي مغاير للوقائع »الرسمية« الماثلة امامنا.
وكنا نخطئ في اسم الدولة، اذ الباقي في الذاكرة هو الاتحاد السوفياتي، وخصوصاً اننا محاطون بمن عرفناهم »سوفياتا« فصاروا »روسا« بغير ان يتبدل مسلكهم الودود حيال لبنان وسائر العرب.
لا تهم التسمية. الشعوب لا تحمل للشعوب غير الود والصداقة والرغبة في التعاون. الحكام هم الذين يباعدون بسياساتهم، بين الشعوب.
تحية للأصدقاء في روسيا العظيمة، وقد ساهم ادباؤها الكبار ومبدعوها في صنع وجداننا، كما اسهمت ثورتها الاشتراكية العظمى في تنوير الطريق الى الحرية امام الشعوب، ثم ناصرتها في مسيرتها الى التحرر طويلاً… حتى لو كان من حكم باسمها قد »نكثوا العهد« في ما بعد فانهار معسكرها الجبار لنعود عبيدا في اسار »النظام العالمي الجديد« لصاحبه الولايات المتحدة الاميركية!.
الضياع هو أرض اللقاء!
درت أقلب الاوراق الذابلة التي نزفتها اشجار الغابة لتعطي التراب الحي ألوان الحياة الذاهبة الى الفناء فيه.
واثقاً كنت من انكِ لا بد قد تركتِ أنفاسكِ على واحدة منها ودونت موعد اللقاء.
صرت اتخير ألوانكِ في الأوراق التي منحها المطر إشراقتها الاخيرة. اعرف انكِ لا تحبين الألوان الباهتة، وأنك تبتعدين عن الألوان الفاقعة. ترين في الألوان العواطف. قلبك يسكن عينيك فترين به وبالكاد يمكن ان تجدي ما يثير إعجابك: أين ما يستحق ان تشهق أمامه بالاعجاب واللهفة! اشتاق ان تنفجر »الآه« من شفتي وان يصيبني الذهول أمام الجمال!
طفت أبحث في المنحنيات، في الاركان شبه المعتمة لا على السطح. أعرفكِ تنفرين ممن يتصدر ويطمس غيره. تدركين ان من يريد لا يتوقف امام اللمعان الطارئ او المؤقت والآتي من خارجه.
أتبع همسكِ الخفي كما يقتفي الأدلاّء الاثر برائحة المتبوع. أنا التابع ولا مجال للضياع. الضياع هو أرض اللقاء!
تنقرني قطرة مطر كأنما لتنبّهني. أتبع مسقطها ثم تفجّرها حبيبات تتخذ لنفسها مجرى بين الضلوع والاوردة النحيلة حتى تتلاشى فيك فيطالعني وجهك المغسول بموعد اللقاء المنقوش على حوافي الغيوم التي ترسم لي معالم الطريق.
من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة الا الحب:
اعجب لهؤلاء الواهمين المنتظرين ان يسقط عليهم الحب، كما المطر، من السماء، ويغفلون عن رؤيته امامهم، خلفهم، فوقهم، عن يمينهم، عن يسارهم، يناديهم فلا ينتبهون ولا يستجيبون… وفي ليل الغفلة يبكون حظهم العاثر ويتقلبون في ثلج الوحدة ولا ينامون. الحب ان تفتح قلبك فترى بعينيك. الحب ان تفتح عقلك فترى بقلبك. الحب ان تفتح عينيك فترى بعقلك ويراك الذي يناديك فلا تسمعه ولا تراه!.