حقوق الإنسان العربي وفرسان الحرية الثلاثة
نجحت المنظمة العربية لحقوق الإنسان، بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، في تنظيم »المؤتمر الأول عن حقوق الإنسان والتنمية«، وفي جعله حدثا ومحطة مهمة سيكون لها ما بعدها.
على امتداد ثلاثة أيام، شهدت قاعة النيل في فندق هيلتون بالقاهرة، نقاشا عالي المستوى حول أوراق عمل ذات مستوى جيد، بالإجمال، تعرضت إلى مختلف المشكلات والعوائق التي تغيّب أو تضعف العلاقة بين التنمية وحقوق الإنسان في هذه المنطقة التي تتحرق شوقا إلى المضمون الفعلي لهذه وتلك، خصوصا أنها تتعرض لخيار مستحيل بين هذه وتلك، باستمرار.
ولعل المكسب الأول، المعنوي بل والسياسي، أن المنظمة العربية لحقوق الإنسان قد أكدت جديتها ومستوى أدائها الممتاز وأضافت الى رصيدها بُعدا دوليا بهذه الشراكة، خصوصا أن تمثيل الأمم المتحدة جاء على مستوى »المفوض السامي لحقوق الإنسان« السيدة ماري روبنسون، التي شغلت من قبل منصب رئيس الجمهورية في بلادها (إيرلندا).
أما المكسب المعنوي، بل السياسي، الثاني، فهو أن هذه المنظمة قد استطاعت طرح ومعالجة الموضوع الشائك والحساس جدا في مصر، هذه الأيام، وهو المتصل بمؤسسات المجتمع الأهلي، في ضوء القانون الرقم 153 لسنة 1999 بشأن الجمعيات والمؤسسات الأهلية.
ذلك أن هذا القانون الذي سبقته مناقشات واسعة جدا، شاركت فيها الدولة ممثلة بوزارة التأمينات والشؤون الاجتماعية، والمنظمات والجمعيات والمؤسسات الأهلية جميعا، وهي تكاد في مصر اليوم لا تقع تحت حصر، قد انتقل إلى »مجلس الشعب« بصياغة معينة لمشروع القانون ليخرج منه بعد ذلك بصياغة مختلفة، وفي جلسة مستعجلة لم تستغرق أكثر من نصف ساعة!
وكان أخطر ما عالجه القانون هو موضوع التمويل الخارجي للهيئات والمؤسسات الأهلية، ولعله انطلاقا منه قد ضيّق الهامش، آخذا بالكثير من الاتهامات أو التقولات أو الشكوك حول مصادر هذا التمويل وأهدافه (والبعض يقول: وأغراضه الخبيثة).
وفي بعض التقديرات فإن هيئات أجنبية مختلفة الجنسيات وبعضها غير معروف تماما، وغير محدد الهوية والغاية تماما، تنفق في مصر الآن ما يزيد على مئة مليون دولار أميركي على جمعيات ومنظمات ومؤسسات أهلية الطابع، لكن بعضها يفتقد شرعية التمثيل، وبعضها الآخر لا يضم في عضويته إلا نفراً معدوداً أو مجموعة من الأقارب أو شلة من الأصدقاء والخلان.
طبعا هذا لا يشمل كل المؤسسات العاملة أو الطامحة إلى أن تعمل في خدمة أو لخير المجتمع الأهلي، لكن الكل يعترف بأن ثمة من هو مشبوه الغرض أو مجهول القصد، مما يثير الريبة في نوايا المموّل وفي جهد قابل التمويل، لا سيما أن بعض الجهات المموّلة تنتمي الى دول لم تشتهر بحبها لمصر خاصة أو للعرب عموما، ولا عرف عنها الحرص على تقدم البحث العلمي في بلادنا المتخلفة!
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن أحد كبار المعنيين بالشأن العام في مصر يطرح تساؤلاً »ساذجاً« حول: ماذا يعني هولندا، مثلاً، أو ماذا يهمها من بحث حول العلاقة بين أحزمة البؤس المحيطة بالقاهرة ووجود الثكنات الأساسية للجيش المصري بالقرب منها؟!
لقد نجح المؤتمر الأول عن حقوق الإنسان والتنمية في طرح القضية.. والمهم المتابعة.
ومن حق المنظمة العربية لحقوق الإنسان، بشخص رئيسها جاسم القطامي وأمينها العام محمد فائق، أن تسعد بهذا النجاح، وأن تتابع جهدها الطيب في خدمة الإنسان العربي بمثل هذا المستوى اللائق بكرامته وبقدراته.
وتبقى ملاحظة أخيرة سأقتبسها من مداخلة الزميل الأمين العام لاتحاد الصحافيين العرب صلاح الدين حافظ، ونصها:
»وهل غريب أن تظل نسبة انتشار الفقر بين العرب أكثر من 54$ في المتوسط العام، ونسبة الأمية أكثر من 60$، ومتوسط دخل الفرد سنوياً تحت ألف دولار، باستثناء الدول النفطية، بينما يبلغ مستوى دخل الفرد في إسرائيل 17 ألف دولار؟!
»وهل غريب أن تتخلف الحريات وتتعثر الديموقراطية وتنتهك حقوق الإنسان، فتوضع جميع الدول العربية في أدنى المراتب، وتصنف جميع الدول العربية في خانة الدول المعادية لحرية الرأي والتعبير، طبقا لتقارير المنظمات الدولية العاملة في مجال الدفاع عن حرية الصحافة، وأن توضع أسماء ثلاثة من الحكام العرب في قائمة أسماء أسوأ عشرة حكام في العالم، يضطهدون الصحافة وحرية الرأي«؟!
… وحتى نهاية المؤتمر في القاهرة، كان كل من المشاركين باعتبار »سلطانه« واحدا من هؤلاء الميامين الثلاثة.
ولم يوجد من يستبعد أن يكون سلطانه من بين هؤلاء الفرسان الثلاثة!!
انتخب مصدر رعبك لتأمن
قرأت لكاتب طالما احترمت إبداعه الروائي مقالة ينافق فيها بأسلوب رخيص أحد سلاطين العرب الذين أوصلتهم المصادفات الى سدة السلطة فاعتبروها ملكا شخصيا ثابتا لا يجوز انتقاله الى غيره…
والتقينا فقرأ العتاب في عيني فبادرني بالقول:
اعرف انك ستقرّعني، وأنني خسرت احترامك لي، لكن لي رجاء: ان تسمعني.
أطرقت برأسي، واندفع يرافع عن نفسه ببلاغة… وكان بين ما قاله: تعرف ان الحياة في بلدي جحيم، وأنا هنا اشبه بلاجئ. ليس ممكنا ان اكون لاجئا سياسياً، وإن ظل ممكنا ان أحتمي بهويتي الثقافية. ولقد جاءني بعض المسؤولين عن المؤسسات الثقافية هنا فأبدوا نوعاً من »التمني« بأن اكتب عن حق سلطانهم في البقاء سلطانا حتى آخر العمر. لم يقولوا انني سألاقي المتاعب فيما لو امتنعت، لكن اللبيب من الاشارة يفهم. ولقد فهمت فكتبت…
صمت لحظة ثم اضاف قوله: على انني أتمنى عليك ان تقرأ نصي مجدداً. ان كل كلمة فيه تعني او تعلن اعتراضي على من سلطن نفسه على بلادي. مدحت في هذا الذي هنا كل ما ينقص »سلطاني« الرسمي، كالتسامح والرحمة واحترام الانسان وحقوقه، وإتاحة الفرصة امام الناس للتعبير عن آرائهم ثم تزويرها بعد ذلك. لقد شددت على حرية الصحافة وحق الانتقاد والانتخاب وبناء المنظمات الاهلية كاتحاد الطلبة ونقابات العمال وصولاً الى الاحزاب السياسية. استفدت من ان »صاحبنا« هنا سمح بالشكل، من دون المضمون، لأطالب لنفسي هناك ولو بهذا الحد الادنى، الممنوع الآن.
رحلت بعيداً وأنا افكر بسقوط الحدود بين »الله« والسلطان العربي.
استفقت على نشيج صاحبي. كان مكسوراً يبكي أحلامه وقلمه الذي تحطم على صخرة حاجته الى مكان يستطيع العيش فيه بأمان، ويكتب للآتين غداً.
قال بعدما هدأ:
ان سلاطين هذه الايام قد ألغوا الاحتمال. إنك لا تعرف من كان قبلهم، ولا تعرف من سيأتي بعدهم. لا تعرف غير سلطانك القائم بالأمر. ولعلك لو متّعوك بحرية الانتخاب لن تنتخب إلا سلطانك ذاته، فلست تعرف غيره! بل إنك تخاف عليه، أو بالاحرى على نفسك، فإن هو غاب فلست بقادر على ان تتخيل كيف سيكون الأمر في بلادك.
إن مصدر رعبك هو مصدر أمانك!
مغامرة ليل
من على طاولتنا القائمة على سطح النيل، كان بإمكاننا، بل كان مفروضاً علينا، أن نتابع كل ما يجري، صوتاً او حركة، على الطاولة المجاورة حيث كان سحر ما بعد منتصف ليل القاهرة يضم إليها، كل فترة، ضيوفاً جدداً، فيتم التعارف من على بعد بالهمهمة او بهزات من الرؤوس المثقلة بما كرعته من أصناف المشروبات.
اكثر من مرة ضحكنا لنكتة أطلقها بعضهم »هناك«، وفي اكثر من حالة خدشت التوريات الجنسية الفاضحة لزبائن طاولة »الأمم غير المتحدة« حياء »حريم« طاولتنا، وكلهن »قاصرات«.
عند باب الخروج تزاحمنا وكل يرغب في ان يكون اول المغادرين حتى لا يدهمه الصباح هنا.
والتقطت آذان »حريمنا« نتفاً من حوار هامس بين رجل وامرأة من »مجاهل« الطاولة المجاورة، فأخذن بتعميمه باعتباره »حكمة السهرة«.
قال الرجل: فلنكمل الليل معاً. أعرف مكانا نسهر فيه حتى الصباح.
قالت المرأة التي على حافة الثمل: لو سهرت معك، وحدك، فكأنني نمت معك.
همهم الرجل بكلمات أرادها غير مفهومة، فعادت المرأة تقول: شتان ما بيننا يا من لا اعرف اسمك! انك تبحث عن مغامرة ليل وأنا أغامر بليلة لأحفظ عمري!.
وصلة غناء… جماعي
صالة الاستقبال في الفندق مفتوحة…
مفتوحة على »البار«، ومفتوحة على »الشارع«، ومفتوحة لمن يطلب ولمن يرغب ولمن ينتظر من لا يأتي.
دخلت اثنتان من بنات الليل، وبعد جولة بالعيون اختارتا ركناً تريان منه الجميع لكنه يفرض على من يريدهما أن يأتي إليهما قاصداً وليس بالمصادفة.
كان الجمهور خليطا من الجنسيات والأمزجة.
على أن الشابين العربيين كانا يحملان هويتهما فوق الجبين، بينما يتأكد الثراء في مظاهر لا تخطئها العين كالساعات والخواتم والسلاسل ونظارات الشمس والملابس المصنوعة بقماش الفقراء لتؤكد غنى مرتديها الجدد.
جاءت المغنية، فانتعش الشابان العربيان.
غنت، صفقا مهللين… ثم انتبها الى أنهما وحدهما من صفق.
نادى أحدهما على النادل، ناوله ورقة نقدية وهمس بإذنه كلمات، بينما هو يشير له بعينيه الى فتاتي الهوى في الركن المفتوح على المصادفة.
تشاغل النادل قليلاً ثم عاد إليهما بمدير الفندق.
بعد حديث هامس قصير تحركا للانصراف، فإذا بالمغنية تتدخل…
واحتدم النقاش، ثم انقطع مع رحيل الخمسة معاً.
أما النادي فاستمر يلبي الطلبات بغضب مكتوم!
من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لم تُعرف له مهنة إلا الحب:
ما سافرت مرة إلا ووجدت حبيبي قد سبقني الى حيث أقصد. حيثما التفت أراه. في وجه جميل في المقهى، في وردة ندية على شرفة بيت دافئ، في شجرة باسقة تكفي ظلالها لمن يبحث عن ركن هادئ ليقول في من يحب شعراً!
مَن أحب فقد فرديته. المحب اثنان، ولو كان وحده!