عن الخليفة أمير المؤمنين.. والأندلس المقلوبة في فلسطين!
العرش ثقيل بتقاليده على الرعايا خفيف على ذوي الحظوة من زواره الأجانب،
وللبلاط طقوس تفرضها هيبة الخلافة على المؤمنين، أما »الكفار« فلا ضير عليهم ولا تثريب: لا يدخلون بانحناءة تجعلهم في وضع أقرب إلى الركوع حتى لا تنبهر عيونهم بطلعة أمير المؤمنين البهية فيرتج عليهم ويعجزون عن الكلام في »الحضرة الشريفة«، ويسمعون النطق السامي ثم يخرجون بظهورهم وبغير ان يرفعوا رؤوسهم حتى لا يصعقهم تيار القداسة الذي يستولده النسب العلوي.
ثم ان »الرباط« تحظى بموقع جغرافي ممتاز، إذ هي تتوسط المسافة بين »البيت الأبيض« وبين »البيت العتيق«، مما يجعلها محطة إجبارية »للمؤمنين«، في غدوهم ورواحهم بين »البيتين«، كما ان رئاستها للجنة القدس تضيف الى دورها مسؤولية استثنائية عن المسجد الذي بارك الله من حوله في القدس الشريف.
هذا بغير ان ننسى ان ربع المستعمرين المستوطنين الأوائل الذين لبوا دعوة الحركة الصهيونية »لتعمير« فلسطين (الأرض البلا شعب!!) إنما قدموا إليها بداية من المغرب الأقصى، وبتسهيلات خاصة وفّرها العرش المطهر، أخطرها انه سمح لهم بالاحتفاظ بالجنسية المغربية، كما حفظ لهم أملاكهم وحقوقهم كمواطنين مغاربة، عملاً بمنطوق الشريعة السمحاء في ما يتصل بواجب رعاية من ينفر إلى الجهاد في سبيل الله.
وفي وقت من الاوقات بلغت السذاجة عند القيادة الفلسطينية حد الافتراض انه سيكون بإمكانها وعبر توظيف النفوذ المعنوي للخليفة أمير المؤمنين على »رعاياه« من اليهود الذين تركوا المغرب بإذنه، وربما بتشجيعه، مرتحلين إلى الأرض المقدسة، ان تصل مع قيادة الحركة الصهيونية التي صارت الآن قيادة للدولة الأقوى في المنطقة، إلى »تسوية تاريخية مشرّفة« بين العرب المسلمين بأكثريتهم الساحقة وبين اليهود، خصوصاً وقد كانوا شركاء في السراء والضراء، بشهادة تجربة الأندلس التي تسكن الوجدان، والتي انتهت بأعظم عملية تهجير جماعي، في ذلك العصر، لمن كتبت لهم النجاة من المذابح التي نظمتها »محاكم التفتيش« بعد سقوط الدولة العربية فوق الأرض الاسبانية في نهايات القرن الخامس عشر.
رحم الله محسن أبو ميزر، وقد كان فصيحاً في شرح الفكرة، في لقاءات مشهودة في الرباط، قبل ثلاثين سنة أو يزيد، والتنظير للدولة اليهودية العربية (وهي تجربة الأندلس معكوسة الآن) فوق أرض فلسطين، وقدرة العرش المغربي على »استغلال« عواطف رعاياه لإنجاز هذه المصالحة التاريخية!
أما في شوارع الرباط فكانت »الجماهير« تحتشد من حول موكب ياسر عرفات، وحده من دون سائر الملوك والرؤساء العرب، يحاول الرجال فيها والنساء والفتية الوصول إليه، للتبرك بملامسة جسده الشريف، ولو عبر قميصه الكاكي أو جراب مسدسه، أو يده اليمنى المرفوعة أبدا بشارة النصر… مترجمة أو مقتبسة من حرف 7 في لغة الفرنجة!
المهم، ان الخليفة، أمير المؤمنين، ملك المغرب الاقصى قد فاجأ شعبه وأمته قبل أيام بلقاء مع وزير خارجية اسرائيل جاء من خارج السياق الدموي للمواجهة المفتوحة بين دولة الاحتلال الاسرائيلي وبين شعب فلسطين وسلطته المنقسمة على ذاتها الى حد الاحتراب.
وبرغم انه لم يعرف عن الملك الشاب الدقة في اختيار ضيوفه، أو الرصانة في استخدامه للوقت، الا ان هذا اللقاء غير المبرر والمباغت قد جاء أشبه بصاعقة في سماء صيفية: ليس له تمهيد مقنع، وليست له نتائج تشفع له وتسوّغه عند الجمهور العربي عموماً، بمن فيه الاخوة المغاربة، فضلا عن الاخوة الفلسطينيين.
فاللقاء مكسب سياسي هائل يضيف الى رصيد الاحتلال الاسرائيلي على حساب شعب فلسطين وقضيته، قضية العرب والمسلمين جميعا.
ثم ان توقيته، وبينما العرب ما زالوا يعانون من فقدان توازنهم نتيجة عجزهم عن منع الادارة الاميركية من اجتياح العراق عسكريا واحتلاله، يوفر لإسرائيل التي تعيش الآن حالة زهو بانتصارها الاميركي الجديد »تزكية« لممارساتها الدموية التي تستهدف تصفية فلسطين، أرضاً وقضية، شعبا وسلطة بأجنحتها… المتصارعة!
لا مجال لوساطة يستنقذ بها أمير المؤمنين القدس، أو حتى المسجد الاقصى فيها، وقد بات حرمه مرتعاً لغلاة المتدينين الاسرائيليين يقتحمونه كل يوم في حين يمنع المؤمنون من أداء الصلاة فيه، ولو في يوم الجمعة.
وليس وزير خارجية اسرائيل هو الوسيط الامثل لمصالحة »ابو عمار« و»ابو مازن« على سبيل المثال يستدعيه رئيس لجنة القدس لتكليفه بهذه المهمة الملحة نيابة عنه أو باسمه.
لا هو أوقف امتداد جدار الفصل العنصري داخل الجسد الاخضر لأرض فلسطين، ولا هو قدم للزيارة بإطلاق الاسرى والمعتقلين كعربون صداقة أو تعبير عن حسن النية، ولا هو رفع الحصار عن الرئيس الشرعي المنتخب، ولا عمليات الاغتيال اليومية، تم تجميدها (مثلا).
بالعكس، لقد جاء الوزير الاسرائيلي الى المغرب، فاستقبل بالترحاب، ومشى في ركابه »نظيره« الاشتراكي الى تطوان حيث فتح له الخليفة ذراعيه بغير قيد أو شرط… وسمع منه مباشرة، كما سمع منه العالم عبر تصريحاته، ما يؤكد ان اسرائيل مستمرة في ممارساتها جميعا، وان السلطات في المغرب قد وعدت بإعادة درس المطلب المعلق: فتح السفارة الاسرائيلية في الرباط!
هل من حق عامة الناس أن يناقشوا الخليفة، أمير المؤمنين، فضلا عن إمكان محاسبته على تصرفه، خصوصا انه لم يتفضل فيبرر لهم مثل هذا »الاستقبال« النافر سياسيا، والمرفوض شعبيا، والخاطئ بتوقيته، والغامضة أهدافه، إلا ما أعلن منها مما لا يمكن قبوله في لحظة الضعف بل الهوان هذه!
لم يتعوّد حكامنا، العسكريون منهم والمدنيون، المنتخبون منهم والمفروضون، أن يناقشهم رعاياهم، فكيف بالخليفة أمير المؤمنين، من يرى نفسه صاحب حق إلهي في الحكم، ومن يرى أن رعيته إنما فوّضته بالبيعة تفويضا مطلقا لا يقبل المراجعة أو الطعن أو المحاسبة، وليس عليه أن يعود إليها فيسألها أو يشرح لها سياسته.
كل ما في الأمر أننا نشهد فصلا جديدا من مأساة الأندلس: فاليهود الآن يستكملون طرد العرب من بلادهم الأصلية، وليس من تلك التي فتحوها ثم أُخرجوا منها فبكوا كالنساء بلادا لم يستطيعوا حفظها كما الرجال.
والوزير الإسرائيلي أقوى من الخليفة، فهو »يجر الذيل« كأنه »على أمير المؤمنين أمير«، وبالتالي فهو ذاهب إليه ليبلغه وليكلفه وليس ليسمع منه فيلبي ويطيع.
والمغرب كما المشرق ضعفا وهوانا وعجزا عن القرار.
أما فلسطين فليس لها غير شعبها الموزع بين السجون والمقابر والمدن والقرى ومخيمات اللجوء التي تلتهمها الجرافات بحراسة الدبابات، ومن خرج إلى الشارع اغتالته الحوامات.
وتحرير فلسطين يستوجب تحرير نضال شعبها من قيود الملوك والرؤساء والسلاطين والأمراء والزعماء والشيوخ… وقبل ذلك كله ظل الله على الأرض الخليفة أمير المؤمنين، الذي تسلى بعد قمة بيروت بحمل الرشاش وإطلاق الرصاص في الهواء، وحين هزه الشوق لجأ إلى الهاتف الملكي ليحادث بعض الأصدقاء في فلسطين المحتلة ثم أكمل جولته السياحية بينما الأرض المقدسة تحترق.
فائض من الوقت للصمت…
يتسع الليل للموعد المعلق بين نجمتين.
يليق التوهج بالموعد الاخير… ولتذهب العتمة الى الضجر في الزوايا التي تختزن الكلام، أما النعاس فإنه لا يعرف الطريق الى العيون التي جفف ماءها القلق على ضياع الوقت في انتظار الذي يذهب ولا يعود.
يتسع الليل للذكريات التي صارت حاضنة للجراح. ليس أجمل من وجه يحمل ندوب القبلات المختطفة من بين عيون الفضوليين الذين يريدون الحب حكايات لأوقات الفراغ.
لديه فائض من الوقت الآن لاستذكار اللقاء الاول وقد تركت لديه بعده جمال عينيها حيث يكمن الذكاء متربصاً بعشاق المصادفات.
أما اللقاء الثاني فكان أشبه بمبارزة بين غواية المغامرة وبين خوف الانزلاق الى عبث مجنون لا تتسع له مساحة ما بين الفجرين!
أما اللقاء الثالث فهو الذي انفتح لعمر جديد يكاد ينكشح مع انبلاج الصبح، كأنما الحب ليل تقرر مداه الشمس شروقاً وغروباً!
ينتهي الليل حين تفرغ الزجاجة من مائها، وتفرغ النجوم من آخر خيوط ضوئها الواهن، وتفرغ الصدور من آخر آهاتها المحبوسة خوف ما خلف الظنون!
ينتهي الليل حين تعود الحكاية الى نقطة البداية، تاركة أبطالها على رصيف التوهم بأنهم قد صاروا غير ما كانوه، وبأنهم قد قرروا ما عاشوه بوعي كامل وهم غائبون عن الوعي.
ينتهي الليل حين يبدأ الكلام، فاطوِ كلماتك الاخيرة حتى لا تنتهك مهابة الصمت اللائق بحب لا يجد من يحميه، ويفتقد من يشيعه عائداً به الى من لا يكونون إلا به ولا يكون إلا بهم.
لديه فائض من الصمت الآن… فليذهب، اذن، الى النوم!
صبي التفاح…
قالت، وهي تخفي جانباً من فمها بكف يمناها، لصديقتها التي لاحظت عليها ارتباكاً ظاهراً:
لا أدري ما الذي أصابني فأربكني وكأنني أرى رجلاً لأول مرة في حياتي. لقد أحسست بخجل صبية غرة انكشف ثوبها عن صدرها فجأة أمام صبي شقي كان يساعدها في قطف التفاح! أحسست بالحجاب الكثيف ينحسر، بل يتهاوى فيسقط بين قدمي بينما هو يحاول ان يغض طرفه عني، ثم يلفته ارتباكي فيحاول إظهار اهتمامه بغير ان يتسبب لي بمزيد من الارتباك.
شهقت الصديقة وهي لا تملك كتم دهشتها:
عجيب أمرك! يطاردك الرجال عشرات فلا يلفتك واحد منهم، وتلتقين بعض المشاهير فيتساقط غرورهم أمام ثقتك بنفسك، وتتعاظم ثقتك بنفسك وأنت تسمعينهم يتحدثون عنك أو إليك بتهيب. ماذا دهاك؟!!
عادت المرأة المحجبة تكمل حديثها فقالت:
أتعرفين؟! لقد أسعدني هذا الشعور المباغت بالتعري أمام عيني رجل. ضجرت من العيون التي تتعلق بثوبي الطويل ثم تتهاوى كليلة وهي تعجز عن اختراق السد الذي يطوق جسدي كقيد من حديد. لعلني قد ضعفت، لعلني قد تعبت من القيد. لعلني قد اشتقت الى المرأة المطموسة فيّ. في أي حال اطمئني، إنها نزوة عين ليس إلا، أو هي نزوة روح… وها أنا أخب في حجابي من جديد غادية رائحة الى لا أحد في لا مكان، لا رفيق لي إلا البسملة والحوقلة والتكرار الببغائي لتلك التعويذة المباركة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم!
ثم بعد ان انفض المجلس سمعت نفسها تتمتم وهي مذهولة: ولكنه ليس شيطاناً ولا رجيماً… ليرحمنا الله!
من أقوال نسمة
قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
اهتمامك بحبيبك يبدأ بنفسك. أليس حبيبك فيك، كيف تهمله بذريعة انك مشغول به؟. الاهتمام يشمل المظهر بقدر ما يعنى بمسائل الحياة اليومية. كيف تجمّل نفسك للغير وتنسى حبيبك، بحجة انه يهتم بالمضمون لا بالشكل. ان تكون في أبهى مظهر، يعني انك تفكر بحبيبك في غيابه كما في حضوره! الحب جمال أصلاً!