الى متى يظل ”المثقف” العربي ينظر الى نفسه على انه ”فئة ممتازة”، وانه في أعلى عليين ولا يجوز ان ينزل الى مستوى المواطن العادي؟!
لماذا يشمع عواطفه ويحجر قلبه وقلمه ويتلطى وراء ”الموضوعية” فيزوّر الوقائع او يطمسها حتى لا تحرجه فيضطر الى اتخاذ الموقف الطبيعي والبسيط والمفهوم؟!
ثمة فئة من هؤلاء المثقفين أسعدها انهيار الاتحاد السوفياتي ومعسكره الاشتراكي و”سقوط” الايديولوجيات فافترضت انها قد ”تحررت” من البديهيات الوطنية بما هي الارتباط بالارض والقيم كالكرامة والعزة وتوكيد الهوية والانتماء القومي والحق في مستقبل أفضل من دون اغتراب او استلاب او التحول الى مرتزقة في ساحة ”الثقافة” الهجينة، يروّجون للبدع على حساب الاصيل ويدعون الى دخول العصر الاميركي الاسرائيلي وكأنه نهاية التاريخ، في حين لا مكان لهم فيه؟!
ان بعض هؤلاء المثقفين يشعرون بسعادة غامرة لأن الاحزاب (العقائدية) قد فشلت، ويرى واحدهم في نفسه انه اكمل وأشمل من حزب او حركة او تنظيم سياسي، ويستغني بنفسه عن الناس مفترضاً انهم مجرد قطيع ليس عليهم الا الطاعة واتباع مثلهم الاعلى مجسماً فيه؟!
ان مثل هذا المثقف هو صورة طبق الاصل عن الحاكم الطاغية.
انه يحتقر الجماهير ولا يعطيها حق المناقشة او الاعتراض ويحاول ان يفرض عليها ما يراه، وربما ما يقتبسه عن ”الآخرين” من ”المتقدمين”.
وكثيراً ما يظلم المثقف نفسه بالإصرار على التمايز عن ”ناسه”، ان يظهر كأنه خارج حركة شعبه.. فالتذرع بالتقدم والوعي الاستثنائي يجعله السابق الى مكمن الخطر.
الى متى يظل المثقف متبطلاً لا يفعل الا تسخيف كل تحرك ”عفوي”، وإلا انتقاد كل محاولة للعمل وكل جهد لرفض الواقع؟
متى يصبح المثقف طليعة شعبه وليس طليعة مغادري واقعهم؟!
لقد فتحت قانا ابواب التوبة فليتقدم الأبناء الضالون وليعودوا الى حضن اهلهم بدلاً من ان يموتوا في برد الغربة داخل عزلتهم الموشحة.