غزة ـ حلمي موسى
“ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت اظنها لا تفرج”. في اليوم السابع والثلاثين بعد المئة، يبقى إيماننا بحقوقنا في الارض والحرية والكرامة، يمنع يأسنا برغم شدة البلاء. فلا سبيل لشعبنا سوى النصر ونيل حقوقه.
***
تقف إسرائيل على قدميها الخلفيتين وترفس نحو الأمام قبل أن تعود لتقف على قدميها الأماميتين وترفس ما وراءها. هذا ما تفعله اليوم، تارة مع الولايات المتحدة، وأخرى مع قطر، وثالثة مع البرازيل ورابعة مع الأمم المتحد،ة وخامسة هناك…
إذ ما من وصف للسياسة الإسرائيلية سوى تخبط على الصعيدين الداخلي والخارجي. وإزاء تخفيض تصنيفها الاقتصادي من “موديز”، لم يجد وزير ماليتها سوى توجيه اتهامات باللاسامية. كما أن رد إسرائيل على مخطط واشنطن، الرامي لإنقاذها من جنونها، ليس سوى المزيد من التعصب والتطرف. أما مع الرئيس البرازيلي، فإنها وجدت نفسها، وبدل إذلال سفيره، في مسار قطع العلاقات بعدما اتهمها بالإبادة الجماعية وبتكرار أفعال هتلر.
وردا على ما بات يعرف بالخطة الأميركية السريعة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، أعلن رئيس وزراء العدو نتنياهو، مصعّدا، أن إسرائيل سوف تحتفظ بالسيطرة الأمنية الكاملة على كل من الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين.
وجاء في بيان أصدره ديوانه باسمه أنه منذ بداية القتال، واجهت إسرائيل ضغوطا دولية، وقد ازدادت في الأيام الأخيرة من أجل “فرض إقامة دولة فلسطينية”، معتبرا أنه “منذ خمسة أشهر، ونحن ندير حملة سياسية غير مسبوقة أتاحت لمقاتلينا حرية العمل لتحقيق أهداف الحرب كلّها”.
أضاف البيان “لقد تصدينا خلال هذه الفترة للعديد من الضغوط الدولية الهادفة إلى وقف الحرب قبل أن تتحقق أهدافها كلها، بينما شهدنا في الأيام الأخيرة نوعاً جديداً من الضغوط: محاولة لفرض علينا إقامة دولة فلسطينية بشكل أحادي، من شأنها أن تعرض وجود دولة إسرائيل للخطر”.
وكرر ما سبق أن أكده قائلا “نحن نرفض ذلك رفضا قاطعا”، مؤكدا أن الحكومة وافقت بالإجماع على مسودة مشروع قرار ينص على معارضة إسرائيل لمحاولة فرض إقامة دولة فلسطينية من جانب واحد، وسوف يتم تقديم المسودة كمشروع قرار متفق عليه لإقراره في الكنيست.
أضاف أنّه “على الرغم من وجود آراء مختلفة داخل الحكومة في ما يتعلق بالتسوية الدائمة، إلا أنه تمت الموافقة على هذا الاقتراح بالإجماع وسوف يحظى بغالبية ساحقة من الأصوات لدى التصويت عليه. نحن جميعا متحدون في الموقف القائل بأن إسرائيل يجب ألا تخضع للإملاءات الدولية بشأن موضوع وجودي مماثل”.
واعتبر نتنياهو أنّ “حتى أولئك الذين لديهم آراء مختلفة، متفقون على أنه بعد السابع من أكتوبر يجب علينا أن نتخذ القرارات المتعلقة بوجودنا ومستقبلنا بأنفسنا”، داعيا “الأحزاب الصهيونية كلها” إلى التصويت لصالح مشروع القرار.
ثم أكّد أنّه “في أي وضع، مع تسوية دائمة أو بدونها، ستحتفظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية الكاملة على كامل المنطقة الواقعة غربي الأردن، بما في ذلك بالطبع يهودا والسامرة وقطاع غزة. لقد أصبح الأمر أقوى بعد المذبحة الرهيبة التي وقعت في 7 أكتوبر”.
وبات معروفا أن هناك صراعا يدور في الكنيست حول من سيُحسب أنّه جمع التأييد لقرار رفض الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية. وكان عضو الكنيست زئيف ألكين، من المعسكر الرسمي، قد تقدم قبل أسبوعين باقتراح لإقرار موقف من “البيانات والمنشورات في العالم بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية وضرورة الاستعداد الإسرائيلي لتحدٍ سياسي محتمل”.
وقد قدم ألكين اقتراحه بالفعل في بداية الشهر، أي قبل حوالي أسبوعين من طرح الموضوع في جلسة المجلس الوزاري المصغر، وهو ينص على أن “أحد أهداف السنوار كان إعادة فكرة الدولة الفلسطينية إلى الحياة. إن إقامة هذه الدولة هو بمثابة مكافأة لحماس، وسيصبح خطر 7 أكتوبر قائما في إسرائيل كلّها. لم يطلب أحد من الولايات المتحدة أن توافق على إنشاء دولة لتنظيم القاعدة بعد أحداث 11 أيلول، وينبغي لدولة إسرائيل أن تعطي إجابة واضحة للغاية: لا مطلقة. ولا ينبغي أن ننتظر، بل يجب أن نستعد لحملة دولية اليوم. ”
وكان مقررا مناقشة اقتراح ألكين مساء أمس الأول، إلا أن نتنياهو لم يرغب أن يُسجّل إقرار هذا الاقتراح في خانة أحد سواه، فقرر تقديم الاقتراح باسم الحكومة.
وبحسب تشكيلة الكنيست الحالية، فإن غالبية أحزاب الائتلاف الحاكم والمعارضة تعتزم التصويت لصالح القرار، وبالتالي المصادقة على قرار الحكومة الذي اتخذته أمس بعدم الاعتراف بإقامة دولة فلسطينية من جانب واحد.
وكان الاتفاق على ذلك قائما حتى مساء أمس الأول، ولكن في جلسة رئاسة الكنيست التي عقدت ظهر أمس، تبين أن الائتلاف معني بإدخال اقتراح إلى النظام، بالنيابة عن الحكومة التي ستصادق على قرارها الصادر عن اجتماع الحكومة أمس، بشأن الموقف من إقامة دولة فلسطينية.
ولذلك، تم إلغاء جلسة مناقشة اقتراح ألكين والتصويت عليه، والتي كانت مقررة الليلة الفائتة، لصالح مناقشة اقتراح الحكومة والتصويت عليه في جلسة المقرر عقدها غدا الأربعاء. وبرغم أن جميع أعضاء الحكومة يوافقون على اقتراح عضو الكنيست ألكين، إلا أنه يبدو أن الائتلاف الحاكم لا يريد تقاسم الفضل مع عضو “معسكر الدولة” الذي كان حتى وقت قريب في المعارضة.
وجاء ذلك على خلفية تصريحات رئيس حزب “إسرائيل بيتنا”، أفيغدور ليبرمان، الذي اتهم نتنياهو بالخداع، وكتب على حسابه X (تويتر سابقًا): “إن اقتراح الحكومة الذي سيطرح للتصويت في الكنيست، ضد الاعتراف بالدولة الفلسطينية من جانب واحد، ليس سوى التفاف من نتنياهو لمعارضة القرار الأحادي الجانب، لكنه في الوقت نفسه، هو وعد السعوديين والتزم أمامهم بأنه كجزء من الصفقة، سيوافق على إقامة دولة فلسطينية بشكل أو بآخر.”
وأكّد ليبرمان في تغريدته أن “التصويت هو في المقام الأول تصويت على إقامة دولة فلسطينية في إطار التسوية مع السعودية. وكما هو الحال دائماً، يحاول نتنياهو خداع الجميع. وفي كل الأحوال، فإن “إسرائيل بيتنا” ستعارض إقامة دولة فلسطينية إذا تم ذلك من جانب واحد وفي إطار صفقات نتنياهو المشبوهة».
بالإضافة إلى ذلك، وبالرغم من إيحاءات نتنياهو بوجود إجماع داخل الحكومة، إلا أن وثيقة أعدها عضو كابينت الحرب الجنرال غادي آيزنكوت تفضح غياب أي الاجماع.
وقد نشرت “القناة 12” أن آيزنكوت سلّم أعضاء “كابينت الحرب” وثيقة تحذيرية مفادها أن إسرائيل تحقق (في عدوانها) انجازات تكتيكية وليست استراتيجية. وبحسب قوله “أننا لا نتخذ قرارات مهمة، وبالتالي هناك صعوبة واضحة في تحقيق أهداف الحرب. لا يوجد إنجاز كامل. كل شيء جزئي أو غير محقق”.
وأوضح آيزنكوت أنه، من بين أمور أخرى، لم يتحقق هدفا تفكيك القدرات العسكرية والحكومية لحماس وعودة المختطفين إلا جزئياً، كما استعادة الأمن لسكان المنطقة المحيطة. لكن “إن حالة إنهاء الحرب التي لا يوجد فيها تهديد من غزة وتعزيز الأمن الشخصي والصمود الوطني لمواطني إسرائيل لم تتحقق.”
وقال آيزنكوت إنه “من الناحية العملية، لم يتم اتخاذ أي قرارات حاسمة لمدة ثلاثة أشهر. فالحرب تجري وفق إنجازات تكتيكية، دون تحركات كبيرة لتحقيق إنجازات استراتيجية”.
وبحسب التقرير، اعتبر آيزنكوت أن هناك خمسة قرارات يجب اتخاذها الآن – هي: الانتقال الكامل إلى المرحلة الثالثة من الحرب، تنفيذ مخطط آخر لعودة المختطفين، منع التصعيد في يهودا والسامرة على خلفية معركة رمضان، وإعادة السكان إلى شمال فالدوم، والترويج لبديل مدني لحكم حماس في غزة.
وبرغم أن الحرب في غزة، وفق آيزنكوت، لم تحقق انجازات كاملة إلا أن نتنياهو وحكومته قرروا توسيع الصدام مع الفلسطينيين في الضفة والداخل من خلال قرارات تقييد دخول المصلين إلى الحرم القدسي في شهر رمضان.
ويعتقد حتى قادة أمنيون إسرائيليون أن ذلك سيقود إلى تفجير الوضع في الضفة وربما في المناطق العربية داخل أراضي 48.