أكتب إليكم من عكا..
.. ومثلكم أنا، أكاد لا أصدق أني، أخيراً، عدت إليها فأمد بصري عبر نوافذ منزلنا إلى الجهات الأربع استوثق مستشهداً بالأبنية والحجارة والأشجار وبقايا السور والقلعة والبحر والهواء وأشعة الشمس وشباك الصيادين وكل الأشياء الصغيرة التي شكلت لي على امتداد أربع وعشرين سنة صورة المباركة فلسطين.
هذا بيت خالتي بحجارته المقدسية المتوقدة التي تشبه أرغفة تخرج من الفرن، وعلى الحاجز الحديدي تدلت عرائش الـ “بواق” الأحمر.
لقد كبرت الياسمينة، بالفعل، يا خالتي… وزهراتها البيضاء المثلثة تحدق ـ كما العيون ـ في ما حولها باستغراب، تفتش عن وجه أليف، عن يد حانية، حتى إذا أعياها البحث التفتت إلى الحجارة السمراء تحضنها برفق وتلوذ بها.
“وهذه هي الساحة الأمامية.. كانت ملعبنا حين كنا..”.
والمصطبة. ويهدر في أذني صوت عمي حين رأى صورتها، مرة، فاستنكر واقعة قديمة. قال عبر ضحكاته:
“.. وهنا نزلت بقضيب الرمان عليك. أنسيت؟ جئت يومها تمشي وأنا جالس على المصطبة، وقلت لي: أنظر ماذا وجدت! ورأيت بين يديك قنبلة يدوية، وكنت قد نزعت حلقتها. يومها وقف شعر بدني، وهجمت عليك وانتزعتها من بين يديك وقذفتها إلى الخارج. أنت لم تجدها أيها الملعون. لقد تسللت إلى غرفتي وسرقتها ولعبت بها، وسترك الله فلم تنفجر لسبب لا زال يحيرني. يومها نزلت بقضيب الرمان عليك في حفلة لم تعرف عمرك ما يماثلها”.
الرجال كثر
أكتب إليكم من عكا،
وعن عكا تريدونني أن أحدثكم. اعرف. واسمع الآن بوضوح خفيف أجنحة شوقكم إليها فوقي، إلى يميني، إلى يساري، خلفي وقدامي. سأصارحكم بشيء: رحلة العودة إلى عكا أقل مشقة وإرهاقاً من الشوق إليها. أم سعد قالت لي مرة: كن رجلاً فنصلها في غمضة عين، أما إن كنت لاجئاً فلن تراها أنت، ولن يراها حتى حفدتك.
أقول لكم: إن الرجال كثرة هنا. كل الذين اختاروا أن يعودوا وصلوا فعلاً. بعضهم جاء عبر النهر، وبعض عبر الجليل، وآخرون عبر الجولان. أما أبناء غزه وخان يونس ورفح والعريش فقد مدوا أجسادهم جسراً فوق خط الحدود القديم حتى أمحى تماماً وعادت إلى التراب الوطني الفلسطيني وحدته الأبدية.
لعل بعضكم يسأل الآن أو يتساءل:.. ومن أين الطريق إلى عكا، أو يافا، أو حيفا، أو القدس، أو جنين، أو طولكرم أو قلقيلية أو أم الفحم أو الناصرة الخ!!
ولست أعرف جواباً من خارج تجربتي، وتجارب الآخرين الذين التقيتهم هنا، لذا سأروي لكم ما حدث لي في ذلك اليوم الذي بات حداً فاصلاً بين تاريخين في حياتي: اللجوء بذله الأبدي، والعودة ببشارة النصر فيها.
أفقت نشيطاً ذلك الصباح: السبت في الثامن من تموز (يوليو) 1972.
أهي نرجسية أن تحس بشيء من السعادة؟
أفقت نشيطاً ذلك الصباح: السبت في الثامن من تموز 1972.
وكنت منشرح الصدر، بشكل ما ، كعادتي صباح كل سبت، موعد صدور “الهدف”. أظنكم ستغفرون لي هذه النرجسية، لكن كل عدد من المجلة كان بالنسبة إلي خطوة على طريق العودة.
وكان لانشراحي أسباب أخرى، عائلية: فإلى جانب أخي مروان الذي وصل من القاهرة في إجازة قصيرة، تزورنا لميس نجم، ابنة شقيقتي فايزة المقيمة في الكويت. ثم إن “أم سعد” معنا اليوم، فغرف البيت عابقة برائحة الأم الزكية فيها.
خرجت إلى حديقتي الصغيرة أتفقدها، وسرعان ما هتفت مفجوعاً: ـ أم سعد، النجدة يا أم سعد.
وجاءت إلي مسرعة، وبنظرة واحدة أدركت الموقف: كان ثمة شجيرة ورد تموت بصمت. وقالت الأم الطيبة: فداك، سأغرس لك وردتين بدلاً منها.
عدت إلى الداخل. حلقت ذقني وارتديت ملابس، ثم دلفت إلى صالة الطعام متجنباً النظر في عين لميس: اعرف إن العتب صار غضباً، فهي تريد أن تتسوق بعض الحاجيات، واليوم سبت، والمدينة تقفل ظهراً، وهذا هو خالها النشيط يهدر الوقت عبثاً.
غمغمت آني بكلمات تأنيب، مساندة للميس، وخطف مروان “الكرة” بخفة: ـ لو جئتني في القاهرة لوجدت خالاً عظيماً، أما هنا..
مازحت فايز متقصداً استثارة غيرة ليلى، ونجحت خطتي فإذا بها تهجم علي وقد ضمت قبضة يدها الصغيرة، وهربت إلى الشرفة المطلة على بساتين الزيتون الخضراء في مار تقلا، فلحقت بي، لكنها حين بلغت مكاني نسيت غضبها ورفعت رأسها إلي تسألني:
ـ بابا، بدي شجرة زيتون خضرا. هل تجيئني بشجرة زيتون خضرا؟
هززت رأسي بنعم، وقبل أن أدلف مع السؤال والوعد إلى دهاليز الحزن الاسود جاءني صوت لميس حاداً كرأس الإبرة:
ـ خالي.. ألن نخرج اليوم يا خالي من هذا البيت؟
أتدرون: من المبهج أن يكتشف واحدنا، فجأة، إنه قد غدا كبيراً بحيث صار عماً أو خالاً. لا، لا. إنه لا يلغي إحساسنا بالشباب، ولكن يضيف إليه متعة الاحساس بمسؤولية ما عن الغير.
ـ أنذهب يا مروان؟
ابتسم الفتى الأسمر بمكر وقال: سأرافقكم، أجل، لأدرأ الشبهات عنك. فلو رأك الناس لوحدك مع هذه الصبية الباهرة الجمال لقالوا إن غسان كنفاني مراهق أو زير نساء، ولاغتنمها الخصوم مناسبة للتشكيك بالجبهة الشعبية..
هبطنا السلالم معاً، وقبل أن نبلغ الباب تذكرمروان أنه نسى فرشاة أسنانه، فانفلت عائداً ليأتي بها وحقيبة سفره الصغيرة تتأرجح في يمناه، بينما وجدت لميس الفرصة الذهبية لتسخر من خالها الآخر الذي “ينسى فمه” حيثما حل..
تبادلنا تحية الصباح مع ناطور البناية، فؤاد إبراهيم عقيقي، وعند مدخل المرآب طلبت من لميس أن تنتظرني ريثما “أسخن” السيارة، لكنها لحقت بي “حتى لا نضيح مزيداً من الوقت”. كانت تريد أن تكون معي. أن تظل معي.
فتحت الباب. اتخذت مقعدي خلف المقود. مددت ذراعي افتح الباب الآخر للميس. وعندما هممت بإدارة المحرك عادت إلى ذهني صورة سيارة “البي. أم. دبل يو” العتيقة. لو إنها كانت معي بعد، لكان علي الآن أن أنتظر هبوط مروان، ونجدة الناطور لندفعها معاً إلى أول المنحدر. أما هذه الأوستن الجديدة فممتازة: نقرة صغيرة ويهدر محركها كالعاصفة.
ترجل الفارس
أكتب إليكم من عكا..
عكا التي أعرفها، بعد، ورغم النفي والعذاب والتشريد والسجون والجوع إلى الوطن، بل ربما بسبب كل ذلك ما زلت أعرفها كما تعرف باطن راحتك: حجراً حجراً، بيتاً بيتاً، شارعاً شارعاً، ساحة ساحة، وأعرف أرضها شبراً شبراً وزيتونة زيتونة، وأعرف أكثر ما أعرف القبور… أليست هي سطور تاريخي!!
كنت على موعد معها..
وكانت هي التي حددته، ولم أكن أعرف ميقاته بالضبط، فأمضيت أربع وعشرين سنة أنتظره. لا، لم يقتلني الانتظار. كان الزمن يقربني منها أكثر فأكثر، يلصقني بترابها، ولما دوت أول رصاصة علمت إنني قد عدت إلى رحمها، كرة أخرى، وإن علي أن أستعد للحظة الميلاد الجديد.
كنت أعرف إني لن أعود إليها إلا إذا صرت مثلها..
وفي تلك اللحظة الفاصلة بين الدوي والتمزق لمعت أمام عيوني الحقيقة كنصل سيف عربي: هاانذا، أخيراً، على طريق العودة.
كنت أريد أن أهتف بأسرتي الصغيرة، وهي فوق مباشرة، بكلمة اعتذار لأني سبقتها، وكنت أريد أن أطمئن إلى أن لميس لا تزال معي، وكنت أريد أن أتأكد من أن مروان قد جاء… لكن الزمن انسرب من بين أصابعي، وابتلعتني لجة صمت شامل كالموت.
قلت لنفسي: – لقد جاءوا أخيراً.
وابتسمت بسعادة غامرة، فكثيراً ما كتبت متسائلاً: أما آن لهذا الفارس أن يترجل؟ وها أنذا أترجل أخيراً وأدخل منزلنا في عكا من بابه الذي انفتح الآن على مصراعيه كذراعي أم تستقبل بكرها بعد عقم طويل.
لماذا لا كيف؟
أكتب إليكم من عكا..
واعترف إن رسالتي الأولى لن تكون بالمستوى المطلوب، لكنكم بالتأكيد ستغفرون لي اضطرابي: ما أروع أن نعيش لحظة الميلاد الجديد.
كنت منثوراً في الأرض كالبذار. لم أكن مزقاً. كيف بذاراً لموسم جديد. ألم أحدثكم عن العودة إلى الرحم، كرة أخرى..
وجاءت أمي، فهتفت بي: بوركت أيها الفتى الطيب. كن شجرة مباركة في أرض لبنان. كن زيتونة تنفع الناس. كن زيتاً يضيء مصباح مار تقلا حتى يمزق ضياؤه أستار الظلمة والظلم فلا يبقى في الأرض غير كل جدير بها.
كان ثمة كثيرون قد جاءوا أيضاً يزحمون المكان بالضجيج والأسئلة السخيفة: من؟ ماذا؟ ولماذا؟ أين؟ متى؟
مرة قالت لي أم سعد:
“ـ ولماذا أنت حزين وغاضب؟ حين يموت الرجل فليس السؤال الذي يملأ رأسه هو “كيف” ولكن “لماذا”. حين يموت الرجل الذي لا أرض له فليس السؤال هو أين يدفن، ولكن أين سيدفن أولاده، أفهمت يا ابن عمي؟
“قلت لها، يومئذ: ـ ليس هو يا أم سعد، ليس هو هو. إنما الأمر كله نحن. حين يموت الرجل إنما يسقط على أكتاف الذين لم يموتوا بعد.
“قالت أم سعد: ـ ولو. أتعرف، يا ابن عمي، لماذا كانت صلاة الغائب؟ لأن الأبطال لا يموتون على أسرتهم. لأن الرجال يمضون إلى مصائرهم ويتصيدونها. لصلاة الغائب عندنا ثواب الحاضر. لأننا لا نصلي لجثة. أتفهم؟
نحن أقوياء
أكتب إليكم من عكا..
أكتب إليكم لأقول: نحن إأقوياء هنا. نحن الذين عدنا أقوى منهم.
أكتب إليكم لأقول ما قالته لي أمي وهي تراني منثوراً كالبذار في شعاب الحازمية، قرب بيروت. قالت لي:
ـ بوركت أيها الفتى الطيب. بوركتم جميعاً يا أبنائي المزروعين “في لحم هذا الوطن المثخن بالنزيف. ستكون نعوشكم المنفية علامات الطرق ونسغ الأشجار، وسبل الماء، وأيقونات الإيمان، وأنصاب الميادين، وبوابات الحدائق ، على عرض هذه القارة الممتدة من موريتانيا إلى ظفار.
“كونوا غابات من الرماح المشرعة في وجه الشمس، المغروزة عميقاً في بدن الصحراء الملوحة بمزق الراية الهزيمة، مثلما تنتثر أشلاء الشهيد في ميدان كبريائه البطل.
“لقد بذرتكم، داخل عروشكم المنفية على طول هذه الأرض وعرضها، وجعلتكم هواءها ورئتها وقلبها الذي يدق بالنداء كما تقرع الطبول. لقد وضعتكم تحت جلد كل مدينة في بلادنا، ودفنت نعش كل منكم مثلما يدفن اللغم.
“لقد علقتكم على عنق هذا الوطن كما تعلق القلادة.. وسأترك قلوبكم الحية تقرع في صدر هذه الأمة المغلوبة على أمرها وصباها ونداءاتها..”.
أكتب إليكم من عكا..
أكتب لأقول: ليس بالرصاص المطلق في الهواء، حزناً أو فرحاً، تعودون.
أكتب لأقول: ليس بالفرقة والتناحر تعودون.
أكتب لأقول: ليس عن طريق الأنظمة العاجزة المحبوسة في قفص اللاسلم واللاحرب تعودون.
أكتب لأقول: ليس عن طريق الزعماء وهواة الزعماء تعودون..
أكتب لأقول: ليس غير السلاح طريقاً، وليس غير الموت طريقاً، وليس غير المعذبين في الأرض يرتضون رفقة السلاح ويقدرون على معايشة الموت. وأهون ألف مرة أن يدخل الجمل من خرم الإبرة من أن يدخل أمراء البلاد وأمراء الجهاد وأمراء البنوك ملكوت فلسطين.
أكتب لأقول: من عاد إلى عكا عادت إليه، ومن عاد إلى القدس عادت إليه، ومن عاد إلى سيناء عادت إليه، ومن عاد إلى الجولان عادت إليه.
أكتب لأقول: إن الطائفية لا تحمي أحداً، وإن الإقليمية لا تحمي وطناً، وإن الأجنبي لا يضمن الحياة لأمة ضن عليها أبناؤها أنفسهم بأسباب الحياة.
أكتب لأقول: إن عكا هي بيروت. إن عكا هي القاهرة. إن عكا هي دمشق وبغداد والرياض وصنعاء وتونس والجزائر ومراكش ونواكشوط.
أكتب لأقول: أنا أي واحد فيكم. الفرق الوحيد بيننا إنني سبقتكم إلى العودة، فإن لم تضعوا أقدامكم على طريق العودة وجدتكم أنفسكم، فجأة، في الخارج.. خارج المكان والزمان.
أكتب لأقول: الأرض هي الزمان هي الماضي، هي الحاضر وهي المستقبل. الأرض هي الحرية والمجد والكرامة والقداسة. ومن لا أرض له هباء تذهب صلوته، وجوعاً هو صيامه، ففي حالة المنفى تندمج صورة الله في الأرض فيغدوان واحداً.
تسلل عبر الحدود…
أكتب إليكم من عكا..
(أظن إن رجال السلطة في لبنان سيتنفسون الصعداء الآن، وسيقولون من بين أسنانهم: عملها هذا الفلسطيني، نسأل عبر الحدود بصورة غير مشروعة، وغداً سترد إسرائيل تضربنا. إنه يجحد فضل لبنان عليه. إنه سبب أزمة في حضوره وبعد غيابه. ماذا سنقول غداً للسفير الأميركي، ثم لأولئك الذين منحونا أصواتهم في مجلس الأمن؟ طول عمرها الجبهة الشعبية ترفض أن تراعي أوضاع لبنان الخاصة. مجانين! وما همهم! إنهم لا يفعلون غير توريط الآخرين. ماذا جنى العرب من الفلسطينيين؟! لقد آووهم وأحسنوا إليهم بعدما باعوا وطنهم، فردوا لهم الجميل قنابل وموتاً ودماراً واضطرابات… عجلوا فأطمسوا أخباره حتى لا يتأثر موسم الاصطياف أما السياحة فالعوض بسلامتكم).
أكتب إليكم من عكا..
وأجد الجرأة الكافية لأن أقول: أنا بخير فاطمئنوا.
فأنا الآن في منزلي، ومعي هنا كثيرون ممن سبقوني إلى العودة.
ونحن بانتظاركم. ولن نطمئن حتى تصلوا عائدين.
عكا….. وكل المدن الأخرى. لا شيء
حتى صدى وقع خطواتكم على الأرض ما زال يرف، كأجنحة فراشات، في الهواء الندي.
مبهور بفلسطين
أكتب إليكم من عكا..
عندي الكثير أريد أن أقوله لكم، لكني متعب الآن، ومبهور بفلسطين التي ضمتني إلى أحضانها أخيراً، أريد أن أذوب فيها..
لقد كانت فلسطين “كلمة ذات صوت، مملوءة بنداء مقدس صارخ، تجوب الأرض كأرملة لم يؤخذ بثأر رجلها، تحمله على كتفيها وتصطبغ معه بالدم الذي لا ينقطع، ينهال من جروح كالعيون، ذات نظرات صارمة لا تقاوم، قادمة مع الريح ومع رجال يعرفون أكثر من الآخرين، ومع روائح الزيتون والبرتقال وحطين والشعر”..
أما الآن ففلسطين حقيقة ملتهبة كالشظية، تضيء كل الأمكنة، تعطي الزمان قيمته، وتحرق كل يد تمتد إليها عابثة أو طامعة.
أكتب إليكم من عكا.
أكتب لأقول: فلسطين الآن هي الثورة. ولن تروها إلا إذا دخلتم ذلك الأتون المقدس. ستظل على “بعد ذراع” منكم إلى الأبد، حتى تعبروا فوق جسر الفكر القادر على توجيه السلاح، وعلى تفجير طاقات الرجال والشعوب.
أكتب لأقول: ليس بغير الثورة يعود اللاجئ فلسطينياً، ويصير العربي إنساناً له الحق بالمشاركة في شرف العيش في القرن العشرين.
ولقد أسعدتني صورة فايز محمولاً فوق أكتاف الرجال، مرفوع اليدين بعلامة النصر، وكان مصدر سعادتي إنه كان يهتف: تحيا الثورة، تحيا الثورة…
لم يكن يهتف باسم شخص، أو باسم تنظيم، أو حتى باسم فلسطين. كان يبشر بالمستقبل الذي أحسب إنه أطل عليه وهو فوق أكتاف الرجال… وكان يهتف باسم لبنان وسورية والأردن ومصر والعراق والجزائر.
وكان ينادي الفقراء من عمال وفلاحين وكادحين وبؤساء بالكلمة التي وحدها تجعلهم عظماء وصانعي أقدار.
تحياتي إلى الجميع
من عكا كتبت إليكم..
وما زال لدي الكثير لأقوله، لكنني متعب الآن، ولسوف أمارس المتعة التي تشهيتها طول عمري: أن أرتاح في منزلي. وتلح علي الآن جملة قرأتها مرة: تكسب الحرب، يا بني، عندما نعود إلى منزلك.
تحياتي إلى الجميع، من عكا، وإلى اللقاء.
ملحوظة: فلسطين أجمل من ذكرياتي وأحلامي،
ملحوظة ثانية: هضاب عكا لا تقل جمالاً من هضاب خضرة الزيتون في مار تقلا بالحازمية.
ملحوظة أخيرة: الطريق إلى هنا وحيدة الاتجاه. الطريق اسمها “الثورة”. احفظوا الاسم جيداً: الثورة. أكرر: الثورة.
تحياتي مرة أخرى: وإلى اللقاء.
(نشرت في الصياد، 1972/7/13)