يمر الوطن العربي بمرحلة من الضعف والتمزق تغري به “الامبريالية” بالقيادة الأميركية بزعامة المهووس دونالد ترامب، وقبله ومعه وبعده رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو… ومؤكد أن “مشروع الشرق الأوسط الجديد” الذي ابتدع له ترامب تعبير “صفقة القرن” يلخص المراد: إخضاع المنطقة العربية، المشرق تحديداً، للهيمنة الإسرائيلية تحت الرعاية الأميركية.
تحت هذا العنوان تتم مباشرة العمل بالقمة التي ستعقد في البحرين، بعد أيام، ثم يتكامل الجهد في القمتين العربية والخليجية اللتين ستعقدان متعاقبتين في مكة المكرمة..
ومؤكد أن إيران ستحتل الموقع الأبرز في هذه القمم جميعاً باعتبارها “العدو” المفترض الذي يهدد أمن المنطقة واستقرارها واستمرار تدفق النفط والغاز إلى “الزبائن” المعروفين، تحت الرعاية الأميركية.
والأوضاع العربية السائدة تغري القوى المعادية بالقيادة الأميركية على تثبيت سيطرتها وتأكيد فرادة إسرائيل كقوة عظمى في هذه الأرض العربية التي تُنزع عنها هويتها لتكون مجرد جهة جغرافية بالنسبة للغرب، عموماً، وللأميركيين خصوصاً الذين يحاولون صياغة مشروعهم الجديد، إسماً ومضموناً، بما يخدم هيمنتهم ومعهم دائماً “الشريك الإسرائيلي”.
وبالتأكيد فان الأميركيين يعملون لتأجيج الصراع العربي ـ الإيراني لتعزيز موقعهم كحامي العرب من الفرس، وحامي السنة من الشيعة (إيرانيين بالأساس ومعهم بعض العرب)..
في ضوء هذه الوقائع يمكن فهم دلالة التزامن بين القمة في البحرين ثم القمتين العربية والخليجية في مكة المكرمة: فثمة خريطة جديدة ترسم للمنطقة، ودائماً تحت ذريعة مواجهة الخطر الإيراني على العرب والمسلمين برعاية الولايات المتحدة الأميركية ومعها دائماً العدو الإسرائيلي.
لا بد من الإشارة، هنا، إلى أن بعض الدول العربية الكبرى والمؤثرة معطلة القرار الآن: فمصر مشغولة بالتجديد للرئيس عبد الفتاح السيسي، والجزائر غارقة في الصراع، وكذا السودان، بين العسكر والمدنيين الذين يخوضون في هاتين الدولتين واحدة من أشرف معارك التحرر العربي..
اذن لا بد من التعجيل في تنفيذ مشروع ترامب “صفقة القرن” قبل أن تنتقل العدوى إلى أقطار المشرق المنهكة بالانقسام والحروب الداخلية والعاجزة عن استخدام حق النقض في مواجهة هذه الصفقة المهينة.
فلا العراق المنهك بتركة صدام حسين وتدمير الاحتلال الأميركي والمنهبة المفتوحة فيه أمام “رجال العهد الجديد” يغرفون من مال ضحايا الاحتلال والطغيان والانقسام الذي ما تزال ناره تحت الرماد (عرب وكرد، سنة وشيعة وأقليات عديدة)..
… لا هذا العراق جاهز للمواجهة وقادر على إحباط مشروع ترامب للقرن، وهو منهك بخلافات تضرب وحدة شعبه وتعيده طوائف وأعراق متصارعة، بخزينة منهوبة، وجيش متشقق، واقتصاد تحت الصفر وعمران مدمر..
.. ولا سوريا المنهكة بالحرب فيها وعليها قادرة ومؤهلة للعب دورها التاريخي كقلب العروبة النابض.. ثم انها مقسمة بين قوى النفوذ القريبة (تركيا وإيران) والبعيدة (الروس والأميركان) فضلاً عن العصابات متعددة الولاء التي تتوزع الأرض السورية شمالاً ومشرقاً، فضلاً عن العدو الإسرائيلي في الجنوب.
(من الضروري الإشارة، هنا، إلى أن رئيس حكومة العدو الإسرائيلي قد تعهد بأن يبني بيت استراحة لصديقه الرئيس الأميركي ترامب في الجولان، تقديراً له على ما قدمه للكيان الإسرائيلي من ضمانات ومساعدات عسكرية بما فيها الطيران والدبابات والصواريخ الأسرع من الصوت، مما دفع نتنياهو إلى تقديم هذه “الهدية” “السخية” ـ ومن كيس غيره طبعاً ـ إلى الرئيس الأميركي العظيم..).
ماذا لدى الملك سلمان بن عبد العزيز يقدمه الآن، لأشقائه العرب؟
الأرجح أن جدول أعمال القمة سينحصر في بند أوحد هو: مواجهة الخطر الإيراني، الذي بات يهدد، برأي منظميه، منطقة الجزيرة والخليج، لا سيما بعد الصواريخ التي قيل انها إيرانية استخدمها “عملاء إيران من الحوثيين” في قصف ميناء الفجيرة في دولة الإمارات ومركز قواعد لقوات أميركية في السعودية.. مع أن المملكة اعتبرت انها وجهت إلى مكة المكرمة، ولكنها لم تترك أضراراً تذكر..
غير معروف، بالضبط الآن، من سيحضر هذه القمة العربية التي اختار لها الملك سلمان مكة المكرمة ليوظف مكانتها لدى العرب والمسلمين كافة، في خدمة الغرض من قمته العتيدة (أول الممنوعين من حضور هذه القمة رئيس جمهورية لبنان، العماد ميشال عون، ومعه صهره وزير الخارجية جبران باسيل، لأنهما مسيحيان مارونيان..) فضلاً عن أن سوريا غير مدعوة، أصلاً،
والعراق حضوره كما الغياب لأن الحكم فيه عاجر عن اتخاذ أي قرار “كبير”،
وليبيا مغيبة دولتها إلى ما شاء الله.
والجزائر بلا رئيس وجماهير الثورة المطالبة بالتغيير تملأ شوارع العاصمة والمدن والدساكر خارجها،
والسودان بلا رئيس، وجماهير ثورته الشعبية الرائعة تملأ شوارع الخرطوم والمدن الأخرى في الأقاليم..
ورئيس الوفد اللبناني، رئيس الحكومة، لا يملك قرار لبنان،
على هذا فالقمة التي دعيت على عجل للانعقاد، ستكون عرجاء، ليس فيها إلا دول الخليج (ما عدا قطر..) ومعها تونس (مع ترجيح غياب ملك المغرب، لاستمرار الأزمة مفتوحة مع السعودية..).
.. وكائنة ما كانت القرارات التي ستتخذها، بالطلب الأميركي، فان السعودية أعجز من أن تنفذها أو تطلب من الدول الأخرى تنفيذها..
وعلى هذا فإنها ستكون أول تظاهرة ملكية ضد النفوذ الإيراني في المنطقة..
.. مع التمني ألا تكون الخطوة الأولى على طريق “صفقة القرن” لمبدعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
تنشر بالتزامن مع السفير العربي