ليس للدول العظمى “اصدقاء” أو “حلفاء” من بين الدول الصغرى، خصوصاً اذا كانت بحاجة دائمة إلى “مساعدتها”، سواء على شكل منح وهبات او قروض بشروط مخففة، مع أمل بشطبها ـ ذات يوم ـ تكريماً للتحالف بين الاقدر والأضعف.
ومعروف أن الاردن قد استولدت “دولته” كإمارة هاشمية، في محاولة لاسترضاء ابناء الشريف حسين بن علي، الذي صدق وعود اركان الاستعمار البريطاني واعلن الخروج على طاعة السلطنة العثمانية، مع انفجار الحرب العالمية منادياً بالثورة العربية الكبرى..
ومع نهاية الحرب العالمية الأولى، وكتثبيت لولاء الاسرة الهاشمية “منحت” بريطانيا عرش العراق، ايضاً، لهاشمي آخر، هو الامير فيصل بن الشريف حسين، الذي اسقطه الفرنسيون عن عرش سوريا فنصبه البريطانيون ملكا على العراق..
أما حين وقعت نكبة فلسطين فقد سمح للملك عبدالله بن الحسين بأن يضم إلى شرقي الاردن الضفة الغربية من فلسطين، فدخلها وتوج نفسه ملكاً وجعل من الاردن مملكة هاشمية.. ولكنه اغتيل في القدس الشريف بعد سنتين من المناداة به ملكاً، ليرثه نجله الاكبر طلال بن عبدالله الذي اتهم “بالجنون” فتم عزله ليصير الحسين بن طلال هو الملك، مع تعيين احد اعمامه وصياً على العرش حتى بلوغه السن القانونية للملك.
ولقد حكم الملك حسين دهراً طويلاً امتد بين 1952 وحتى وفاته 1999، وتقلب في سياساته مرات عديدة، لا سيما بعد انتقال رعاية العرش والملك من لندن إلى واشنطن، وان هو حافظ على العديد من التقاليد الملكية البريطانية.
بعد وفاة الملك حسين شجر الخلاف، مرة أخرى، داخل الاسرة الهاشمية، خصوصاً وان الملك حسين كان قد عزل شقيقه الامير الحسن من ولاية العهد، وارتأى بعض كبارها أن يسمى الامير حمزة (شقيق عبدالله) ولياً للعهد، لكن الملك اعترض وطوي امر ولاية العهد.
عاش الملك عبدالله تحت الرعاية الاميركية.. وقد فتحت له واشنطن ابواب السعودية والخليج، وحمته وهو يدافع عن اتفاق وادي عربة الذي عقده والده الملك حسين مع العدو الاسرائيلي.
في السنوات الماضية، ولا سيما بعد رحيل راعيه الملك عبدالله بن عبد العزيز وتولي الملك سلمان الحكم، نظرياً، في حين تركزت السلطة بين يدي ولي العهد الامير محمد بن سلمان، تفاقمت الخلاقات بين الملك الفقير والمملكة هائلة الغنى…
وبطبيعة الحال فقد لحقت بعض امارات الخليج بمملكة الصمت، وامتنعت عن مساعدة الاردن الفقير بموارده، والمنقسم شعبه بين بدو الاردن والنازحين من فلسطين..
مؤخراً، تلقى الملك، ذو التربية البريطانية والذي يتكلم العربية بصعوبة، ضربة موجعة ومن واشنطن هذه المرة: حين اعلن الرئيس الاميركي دونالد ترامب نقل سفارته من تل ابيب إلى القدس، لمناسبة احتفال اسرائيل بالذكرى السبعين لاحتلالها فلسطين… وهو الاحتفال الذي شاركت فيه ـ ابنة الرئيس الاميركي إيفانكا وصهره جاريد كوشنر، واعتليا مع نتنياهو وسائر المسؤولين الاسرائيليين التلة العالية المشرفة على احياء القدس ـ لاسيما الغربية ـ بما فيها كنيسة القيامة والمسجد الاقصى.
اكتملت دائرة الحصار حول الملك الذي يحكم بلداً فقيراً، ويعيش شعبه انقساماً مكتوماً بين الاردنيين والفلسطينيين الذين نالوا الهوية الاردنية لأنهم جاءوا لاجئين إلى الاردن بعد نكبة 1948 ثم منحوا الجنسية، وهم الآن يشكلون أكثر من نصف عدد سكانه، مع أنهم ما زالوا فلسطينيين ولكن ببطاقات هوية كرعايا للمملكة الفقيرة.
لا واشنطن تبادر إلى نجدة الملك الفقير، ولا السعودية ومن معها يشفقون على هذه المملكة التي تكاد تكون بلا موارد تكفيها لإدامة سلطتها، فيبادرون إلى نجدتها.. بل لعل هؤلاء قد وجدوا في مشاركة الملك عبدالله في مؤتمر الدول الاسلامية الذي رعته تركيا وانعقد فيها، خروجاً على الطاعة. ومن هنا فقد قرروا تأديبه بوقف المساعدات عنه.
وربما زاد من غضب آل سعود ومن معهم، أن الملك الهاشمي قد وافق ـ من حيث المبدأ ـ على تفاهم مع الروس (وايران ضمنا..) على مساعدة النظام السوري على تطهير جنوب سوريا بعاصمتها درعا، أي الحدود مع فلسطين، من الميليشيات المسلحة التي تحظى بدعم اميركي معلن.. بل أن واشنطن هي التي نظمت “التحالف” بين تلك الميليشيات بهدف ابتزاز النظام السوري، في الجنوب، اضافة إلى انزال بعض القوات الاميركية في شرقي سوريا (منطقة البوكمال.. وصولاً إلى الرقة، ودائماً بذريعة دعم الاكراد).
كالعادة، ستدفع الحكومة الاردنية الثمن، ولقد قدم رئيسها استقالته وكلف “اردني” آخر بتكليف الحكومة الجديدة..
لكن الازمة، هذه المرة، اخطر من سابقاتها، خصوصاً وان العرش قد تلقى ضربات قاسية مؤخراً، ودائماً بالعنوان الفلسطيني، وها انه يواجه ازمة سياسية شائكة بعنوان اقتصادي.. وتظاهرات الغضب “اردنية”.
ومؤكد أن الملك الذي تنشغل زوجته بالمال والاقتصاد، وتجتهد في العثور أو اصطياد الاستثمارات، سواء في بعض المصارف، وأكبرها البنك العربي، سيجد نفسه مضطراً، مرة أخرى، إلى طرق باب واشنطن و”التمني” عليها أن تطلب من السعودية وسائر اقطار الخليج أن تبادر إلى نجدته والا…
ولعل الامير محمد بن سلمان ينتظر هذه اللحظة لكي يتقدم ـ من موقع المنتقم ـ لينجد الملك الذي يحكم مملكة فقيرة، بشعبين يختلط في “الشعب الاول” البدو والشركس، بينما “الشعب الثاني” قلبه وفكره وعينه على فلسطين والتطورات الخطيرة التي تشهدها غزة، والتي قد تشهدها، ايضا، “ضفة السلطة” مع تكاثر التقديرات والتكهنات والشائعات حول صحة “رئيس السلطة” السيد محمود عباس..
ولقد فعلها ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان بالملك عبدالله، متخذاً صورة المغيث بينما له اغراض أخرى لا يستطيع رفضها الملك الغني الذي يحكم دولة مبتدعة هي الافقر بين دول الارض.
والأمل معقود الآن على الرزاز الذي جيء به رئيساً لحكومة الامير محمد بن سلمان السعودي كوكيل عن الملك عبدالله الهاشمي.
…والايام حبلى بالمفاجآت..
تنشر بالتزامن مع السفير العربي