لفترة طويلة، شكّل عبد اللهلحود المحامي والمثقف الكبير أحد مراجع جيلنا من الصحافيين الشبان في الستينيات في الشأن الوطني العام… وكنا نستعين به ونرجع إليه ونتقوى بموقفه وهو يكشف التوظيف الرديء للحساسيات الطائفية في مواجهة النضال القومي والقضايا العربية المحقة.
كان رمزاً للنقاء الوطني والنزاهة، عدواً للطائفيين وتجار الغرائز، وداعية ”للبنان عربي الوجه عربي اللسان”،
وحين رحل عبد الله لحود خسرت حركة التقدم في لبنان، اجتماعياً وسياسياً، أحد ألمع وجوهها وأصفاها فكراً وأنقاها.
في ”ذكريات مختارة” الذي أصدرته قبل أيام دار العلم للملايين يعود إلينا عبد الله لحود عبر صورته في شبابه: سائحاً في بعض أنحاء أوروبا قبل أن يستقر متابعاً دراسة الحقوق في باريس.
إنها أوراق شخصية جداً، فيها الحميم من الانطباعات، التي كتبها عبد الله لحود ”السائح” على شكل يوميات- رسائل الى شقيقته في عمشيت، إضافة إلى بعض تجاربه في الشعر، في صدر شبابه، ومجموعة من الصور العائلية.
هنا فقرة كتبها في 14 شباط 1926، أي قبل سبعين سنة، يصف فيها مصيف نيس، عروس الشاطئ اللازوردي… يقول مخاطباً شقيقته خزون:
“ كتابي إليك عن نيس التي تشرق شمسها عن صباح كصباح بيروت، وتغرب عن مساء كمساء باريس، عن نيس التي لقبها أحد الكتّاب بعاصمة العالم الشتوية.
عن نيس التي تحوي في حدائقها أشجار الشرق وأزهاره، وفي تاريخها كثيراً من تذكارات الشرق.
تذكار الفينيقيين وقد أسَّسوها وكانت إحدى محطاتهم في أسفارهم التجارية.
تذكار العرب وقد اجتاحوها ظافرين في القرن العاشر..
تذكار الأتراك وقد حاصرها (وافتتحها) جيش السلطان سليمان القانوني سنة 1543 مناصرة لفرنسوا ”بك” فرنسا…”.
(في الحاشية كتب عبد الله لحود أن فرنسوا الأول التمس من السلطان العثماني سليمان القانوني نجدة ضد الأمبراطور شارلمان، فنجده السلطان ووجه إليه رسالة دعاه فيها ”فرنسوا بك فرنسا لله بعد أن لقَّب نفسه فيها بسلطان البرين وخاقان البحرين وألقاب سامية أخرى، إلى جنب هذا كله لم يتكرّم السلطان على الملك إلا بلقب البكوية).
في كتاب ”الذكريات المختارة” أيضاً صفحات عن أديب لبنان العظيم مارون عبود، وهو أيضاً ”بلديات” عبد الله لحود.
والكتاب في خلاصته قصيدة حب في عمشيت.
جميل أن يعود إلينا هذا الوجه المشرق، عبد الله لحود، بعد غياب، وأن تبقى صورته في مكتبتنا عنواناً مشرقاً للبنان الذي كادت تقتله الحرب وسموم الطائفية والطائفيين.