طلال سلمان، شاعر الكلمة.
شعور الدفء والفخر يملأني وأنا في أحضان أهلي أحكي عن صديقلا أخفي بعض الحرج والإرتباك وأنا في مناسبة تكريمه،
لا أجيد الكلام وأنا في حضرة الكلام، هو الذي قال عني يوماً اكتشفت أن الرسام يكتب شعراً وأن الشاعر يرسم بالكلمة واللون.
وأقول، جريدة “السفير”، جريدة الذين لا صوت لهم،
هي طلال سلمان، الصانع، الكاتب والناشر،
كاتب من القلب لكونه إنساناً من العمق.
صاحب قلب محتشم لا يعلن نفسه ولا يفاخر بالذي هو منه، هو حكاية علاقة رجل ابن الأرض ببقاع أرضه، من خلال تجميل المظاهر المعاني الأصلية للأرض في أزمنة ضياع الأرض.
هو الرجل الصامت حيث الكلمة تنبع من الشجرة، وحيث الحياة تكون من الموت حيث الأخضر ينبع من اللون، أنه لا يكتب الزمان، ولا التاريخ،
لم يقل أن الكلمة تكون من الورقة ولا من اللون. لم يقل أن العصفور يقطن في الغيمة، لم يقل أن المعنى … الكلمة.
انه الكاتب الشاعر الذي لم يكتب شعراً.
طلال سلمان لم يكتب عن السياسة، بل عاش فيها، نضاله الإنسان، مقاومته القلم، انتمائه الأرض.
صورته تشبه هذا الهدوء نحو القلق، الهدوء الذي يحمل في طياته هذا الحزن الجميل (كما قال محمود درويش).
كنت يافعاً حين التقيته لاول مرة، فوجد الود بيننا وكأننا أبناء التراب الواحد. إلتقيت به متواضعاً، أنيق الروح والمظهر.
حينها طلبت منه تقديم كتابي: (بعلبك بالأبيض والأسود)،
أدركت بأن علاقته بي وبأسراري عميقة وأنه يعرف عني ما لا أعرفه عن نفسي.
قال: حين عرفت مازن الرفاعي انبعث أمامي روح بعلبك وتبين لي أن قصائده لوحات وأن موسيقاه ألوان، وأن مدينته التي تكاد في واقعها الراهن تنكره وتفرض عليه أن ينكرها في حين أن قلبه ممتلىء بها وكذا عينيه ووجدانه وريشته.
وانتبهت إلى أننا نتشارك هذا الحزن البعلبكي، ونتقاسم الشغف نحو الحب، حب الإنتماء إلى الأرض.
أدركت حينها أن الكتابة عنده تتخطى العين واليد لتصل إلى أعمق إلى الروح حيث السر الآخر.
طلال سلمان يبدو لي شاعر الكلمة يبني نصّاً مصنوعاً بحرفة يد وطراوة عين، وشفافية معنى،
نصّه دائماً لبق، يشبهه، جذاب، وإن استفز البعض.
وعصامي طلال سلمان، والعصامية له وغريمه الرئيسي فقط بما في الورقة من معاني،
لكأنه يكتب حين يبلغ بياض الورقة بكلمات لا تكون سوى عند بلوغها للمعنى.
البرد عميق هذه الأيام والأشجار ترتعب من فرط الوحشة.
أقوله: حصلت وتحصل أشياء كثيرة في هذا العالم. لقد تراجع الحب وأحرز الموت تقدماً. تحت وطأة هذين التراجع والتقدم لست أدري ماذا سيحل بالكلمة،
طلال سلمان لا تكتفي بكلمة قيلت كتبت على مدى نصف قرن من الزمن، ولا تكتفي بعمر، إنك دائماً الباحث عن الدهشة.
بعد كل هذا،
أقول لك بأن الكتابة ليست في خطر، وأن العالم الذي من حولنا هو في خطر، في ظل هذا الرعب الذي نعيشه،
وأننا محكومون بالسخرية منه لأن الكتابة ستنتصر يوماً ليس بحرب ولا بقتال، بل بالكلمة،
بكلمة لم تكتبها بعد،
(لك طول العمر).
كلمة القيت في الاحتفال التكريمي للاستاذ طلال سلمان الذي اقامته بلدية شمسطار في 2017/3/26