على هامش الرحلة، وبقصد اطلاع السفير الفرنسي وصحبه على جوانب أخرى من نشاطات “مؤسسة عامل”، انطلق بنا الدكتور مهنا محاطاً بعائلته، زوجته وابنتيه الصبيتين مريم ونور، نحو المخيم التطوعي الذي اقامته مؤسسة عامل لتعليم ابناء النازحين السوريين.
اندفعنا نزولاً من الخيام نحو “فلسطين” التي ستبقى فلسطين برغم تزوير اسمها وتحويله إلى “اسرائيل”، حتى حافة الحدود مع الارض المباركة، حيث طالعتنا بعض مستوطنات العدو بعنوان كريات شمونه (التي كانت تسمى الخالصة وسيبقى اسمها الخالصة..)
اخضرت الارض من حولنا ونحن نمضي وسط بساتين من الشجرة المباركة، الزيتون، وغابات من اشجار الفواكه، الكرز والمشمش والتفاح، في الارض التي تم استصلاحها فور اجلاء قوات المحتل الاسرائيلي، وغرست وتمت رعايتها تشذيباً وريا وفلاحة، فانبعث وتعاظم عودها فأعطت ثماراً شهية.
كان ثمة بضعة خيام مؤقتة، تضم كل خيمة مجموعة من الكراسي للتلامذة الصغار، بنات وصبية، مع طاولة للمعلمة الشابة ظاهرة الحماسة لمهمتها التطوعية..
كان الابرز أتوبيس يسهل تحويل داخله إلى صف دراسي… وكان ممتلئاً عن آخره بالصبية الصغار والبنات اليافعات، ودخل السفير وصحبه والتقطت الصور التذكارية.
سألنا الطفل الاول: من أين انت؟
قال ضاحكاً، في قلب البؤس المحيط بنا: من الرقة…
ـ وأنت؟.. قال: من البو كمال..
اخترنا فتاة غامقة السمرة لنسألها: وأنتِ؟ ابتسمت وهي ترد بغنج: من الرقة..
ـ وأنت؟! رد ضاحكاً: من البو كمال.
توغلنا جنوباً مقتربين من المخيم الذي يتبدى انه قد اقيم على عجل، فرحب بنا بعض الرجال من سكانه، في حين توارت خلفهم النساء والصبايا يخفر يخالطه الكثير من الفضول.
جاء كهل ضخم بشاربين كثين ولحية بيضاء ناعمة وعينين جاحظتين تبسطان ابتسامة يختلط فيها الترحيب بالفضول: يا هلا بالنشامى..
ـ من أين العم؟
رد بشيء من التهكم على معاملته كعجوز: والله من البوكمال..
ـ وكيف وصلتم إلى هنا، ولم تقيموا في مخيم للنازحين؟
قال: لأننا اهل ارض، نحب الارض وتحبنا ونعمل لها فتطعمنا..
ـ وكم لديك من الاولاد؟
رد بسرعة: اربعين، بحول الله..
ـ من كم زوجة؟
ثلاث، ولله الحمد..
كانت النسوة، وبينهم على الارجح احدى زوجاته، يتابعن “الحوار” وهن “يتفرجن” على الوفد الزائر، في حين كان جمهور الاطفال يتنقلون بيننا وتتركز ابصارهم على السيارات ويحاولون التقاط ما يسمعون من كلامنا ثم يضحكون بمرح، قبل أن يستجيبوا لدعوة “الكبار” إلى الابتعاد حتى لا يزعجوا الضيوف!