قطاع غزة ـ حلمي موسى
كما فعلت مرارا في حربها على غزة، تبدي اسرائيل موافقة اولية على صيغة لوقف النار في لبنان وتتراجع عنها لاحقا ما يطيل أمد الحرب. إلا أن لبنان المنفتح على افق ليس غزة المحاصرة من كل الجوانب. وكانت إسرائيل قد حضّرت نفسها لحرب صاعقة في لبنان شملت ضربات اولية بالغة الايلام وواسعة الانتشار. ولكن ما لم تتنبه له هو ان كل ما حضرته للبنان لم يكن كافيا لتجثو المقاومة على ركبتيها. فقد انتقل حزب الله بسرعة من احتواء الضربة الى التعافي والرد بشكل متزايد.
وهذا التعافي السريع قد صعق القيادة الاسرائيلية. هي اعتبرت أن ضربة البايجر، كضربة افتتاحية، قد اخرجت حوالى ٣ آلاف كادر من الخدمة، أي من حسابها. كما أن الضربات الجوية الواسعة في اول ايام الحرب دفعت القيادة الإسرائيلية الى اعلان ابادة معظم القوة الصاروخية التي اسماها بالدقيقة او الاستراتيجية. بل أن القيادة الإسرائيلية وصلت الى حد الاعلان عن القضاء على ٨٠ % من قوة حزب الله الصاروخية في الايام الاولى من الحرب.
وكان هدف الحرب الاول اعادة المستوطنين في الشمال الى مستوطناتهم خلال اسبوع او اسبوعين واعلنت القيادة الإسرائيلية أن ذلك بات قريبا. و”نشوة الانجازات” جعلت القيادة تذهب ابعد من ذلك زبدأت باضافة اهداف جديدة للحرب وهي نزع سلاح حزب الله وانشاء نظام اقليمي جديد.
وعندما اصطدم الجيش الاسرائيلي بالواقع، بدأ بشن اشرس غارات تدميرية في الجنوب والضاحية والبقاع وصولا إلى معظم المناطق في لبنان. وكلما زاد حزب الله من وتيرة ضغطه من خلال اطلاق صواريخه ومسيراته الانقضاضية ، كلما زادت الغارات الاسرائيلية المجنونة.
وفي الايام الاخيرة، كان الجيش الاسرائيلي يدعي أن حزب الله لم يعد قادرا على اطلاق صواريخ بعيدة المدى، وأن صواريخه قصيرة المدى ليست قادرة على ايصال اكثر من ٥٠ الى ٧٠ صاروخا نحو المستوطنات، وأنه تم اختراق خطوطه الدفاعية. لكن صمود قوات حزب الله على الخط الاول الحدودي، واشتداد مقاومته في القرى القريبة ،وانحصار التوغل الإسرائيلي في بضع مئات أمتار من دون القدرة على التمركز فيها دفع القيادة في اسرائيل الى الجنون.
لقد فوجئ الاحتلال في الايام الأخيرة بقدرة حزب الله على استهداف تل أبيب في اي وقت شاء وفي قدرته على اطلاق اربعة اضعاف الصواريخ التي كان يطلقها سابقا. وهذا ما دفع الاحتلال يوم امس الى شن اوسع غارات على الضاحية والتي أدت إلى تدمير ١٢ مربعا سكنيا دفعة واحدة.
كل هذا يجري في ظل حديث متزايد عن وقف النار خلال ايام. ولقد جرى أمس تسريب نبأ بعد اجتماع الكابينت مفاده ان نتنياهو ابدى موافقته على المقترح الامريكي لوقف اطلاق النار، وأن تنفيذ هذا الاتفاق سيتم خلال ايام قليلة. معروف ان مثل هذا الاتفاق مرفوض من جانب قوى داخل الحكومة الإسرائيلية ومن جانب رؤساء المستوطنات في الشمال. لذلك فأن الحديث عن وقف اطلاق النار في لبنان لا يزال حتى الآن محدود الضمان رغم اشتداد حاجة اسرائيل لوقف الحرب في لبنان لاعتبارات اقليمية ودولية فضلا عن الاعتبارات الداخلية العديدة.