غزة ـ حلمي موسى
اليوم الخامس بعد المئة، والأمل يتجدد كل يوم بقرب انفراج الغمة وزوال الاحتلال ونيل شعبنا حقه الطبيعي في النصر والاستقلال في أرضه.
**
ما إن علمت أحزاب اليمين الإسرائيليّة بوجود مسعى أميركي ـ عربي لبلورة خطة تقايض حل الدولتين بتطبيع عربي، وخصوصا مع السعودية، حتى هاجت الحلبة الإسرائيلية وماجت. فأي محاولة لفتح ثغرة في جدار الرفض الإسرائيلي للتسوية، تصطدم برفض من جانب قوى اليمين الصهيوني، وعلى رأسها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو شخصيا.
ولم تكن صدفة أن يعلن نتنياهو في مؤتمره الصحافي مساء أمس، صراحة، بأن الحديث عن “ما بعد نتنياهو” هو حديث عن “ما بعد آخر المواطنين الإسرائيليين”. ومن المرجّح أن يكون إعلان نتنياهو رفضه قيام دولة فلسطينية مستقلة، وإصراره على استمرار سيطرة الاحتلال الأمنية الكاملة على ما بين النهر والبحر، هو رده الرسمي على المحاولات الأمريكية العربية للتقدم نحو التطبيع استنادا الى حلّ الدولتين.
وكانت وسائل إعلام دولية وعربية قد تناولت ما اعتبرته “مبادرة جديدة لوقف إطلاق النار” في غزة ضمن “رؤية شاملة لسلام في المنطقة” تقوم على التطبيع مع الدول العربية، وخريطة طريق “لا رجعة عنها نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة”.
ونشرت هذه المبادرة في صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية وأفادت بأن الدول العربية تعمل على مبادرة لوقف إطلاق النار في غزة تتضمن في الوقت ذاته إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، ضمن خطة أكبر ستؤدي إلى التطبيع مع إسرائيل.
وقد حمل أعضاء كنيست من اليمين يوم أمس الخميس على هذه المبادرة بشدة ودعوا إلى معارضتها.
وغرد عضو الكنيست بوعاز بسموت من حزب الليكود على حسابه على منصة X: إن “إقامة دولة فلسطينية على الأراضي الملطخة بدماء اليهود المقدسة = مكافأة للإرهاب وانتصار للنازيين في عصرنا”.
وبعده مباشرة، أعرب عضو الكنيست دان إيلوز عن معارضته أيضا: “إذا كان الاختيار بين التطبيع وبين وجود دولة إسرائيل، فإننا نختار وجود دولة إسرائيل. فالدولة الفلسطينية تشكل خطرا على وجود دولة إسرائيل”. أضاف أن “هذا صحيح دائمًا، وهو صحيح بشكل مضاعف الآن عندما يتم تفسير إقامة دولة فلسطينية على أنه إنجاز لحماس في أعقاب المذبحة. إن منح مكافأة للإرهاب يؤدي إلى المزيد من الإرهاب. والنتيجة الوحيدة التي يجب أن تؤدي إليها المذبحة هي “القضاء التام على حماس”، وليس منح الفلسطينيين إنجازا سياسيا.”
وفي نظره، فإن “عظمة “اتفاقات إبراهيم” كانت في حقيقة أنها لم تمنح الفلسطينيين حق منع السلام الإقليمي. يجب ألا نعود إلى المعادلات الفاشلة التي أوصلتنا إلى هذا الحد “.
وكانت قناة “الحدث” التابعة لقناة “العربية” قد كشفت أن مسؤولين إسرائيليين وأميركيين وفلسطينيين عقدوا مؤخراً اجتماعاً لمناقشة “اليوم التالي” للحرب في غزة. وبحسب التقرير، تجري مناقشات محمومة لنقل السيطرة على قطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية بعد الحرب.
في الوقت نفسه، أفادت صحيفة “فايننشال تايمز” أن “الدول العربية تعمل على مبادرة لتحقيق وقف لإطلاق النار في غزة، بالتزامن مع إطلاق سراح المختطفين، ضمن خطة أكبر من شأنها أن تؤدي إلى التطبيع مع إسرائيل بما في ذلك مع المملكة العربية السعودية، إذا اتُخذت خطوات لا رجعة فيها نحو إقامة دولة فلسطينية.”
والمثير للاهتمام في التقرير هو أنه، وفقًا لمسؤولين في كل من السعودية والولايات المتحدة، يعتبر أن تجميد البناء الاستيطاني في الضفة الغربية، ودعم السلطة الفلسطينية وإرساء طريق لحل الدولتين – هي خطوات سوف ترضي الأطراف المختلفة وتعزز التطبيع.
ونقل عن “مسؤول عربي كبير” إنهم يأملون في تقديم الخطة – التي تتضمن “جائزة” قيام السعودية بإضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع إسرائيل – في غضون أسابيع قليلة، في محاولة لإنهاء العدوان على غزة، ومنع اندلاع صراع أوسع نطاقا في المنطقة.
وقد ناقش المسؤولون العرب الخطة مع حكومات الولايات المتحدة وأوروبا. وهي تشمل موافقة الدول الغربية على الاعتراف رسمياً بالدولة الفلسطينية، أو دعم حصول الفلسطينيين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة. وقال المسؤول إن “المشكلة الحقيقية هي أنك بحاجة إلى إعطاء الفلسطينيين أمل، ولا يمكن أن يكون ذلك مجرد فوائد مالية أو إزالة رموز الاحتلال”.
ويناقش المسؤولون في كل من واشنطن والرياض العنصر الفلسطيني من الصفقة، والذي من المتوقع أن يشمل تجميد البناء في مستوطنات الضفة الغربية، وزيادة المساعدات للسلطة الفلسطينية، وتمهيد الطريق نحو حل الدولتين.
وذكر التقرير أن السعودية تدرك أنه سيتعين عليها الحصول على تنازلات أكبر من إسرائيل للفلسطينيين، بما في ذلك في قطاع غزة، وأنه يتعين على الحكومة الإسرائيلية اتخاذ المزيد من الخطوات الملموسة لصالح إقامة دولة فلسطينية.
وقال مصدر مطلع على تفاصيل المحادثات “لدينا بالفعل الخطوط العريضة حول السلطة الفلسطينية”. “نحن الآن بحاجة إلى تعزيز هذا العنصر حتى يصبح ممكنا، سياسيا، في أي وقت في المستقبل.”
بدورها، بثت شبكة “إن بي سي” الأميركية الموضوع ذاته بعنوان “خطة بايدن السعودية لغزة ما بعد نتنياهو”. وذكرت الشبكة أن الإدارة الأميركية تعمل مع السعودية ودول عربية أخرى على خطة منظمة لقطاع غزة، لكن، عندما عرضها بلينكن على نتنياهو رفضها لأنها تتضمن إقامة دولة فلسطينية. وفي محاولة لتجاوز نتنياهو، التقى بلينكن بأعضاء آخرين في الحكومة وفي مجلس الحرب وقادة إسرائيليين آخرين، بما في ذلك زعيم المعارضة يائير لابيد.
وذكرت الشبكة أن إدارة بايدن تعمل، بالتعاون مع السعودية، على محور “تجاوز نتنياهو” لتنفيذ خطة لليوم التالي للحرب، من بين أمور أخرى. وأشارت إلى أن وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن حصل على تعهد من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وأربعة قادة عرب آخرين، بالمساعدة في إعادة بناء غزة بعد الحرب.
وبحسب التقرير، اتفق الزعماء العرب على دعم حكومة فلسطينية جديدة في قطاع غزة، بل حتّى أن ولي العهد السعودي قد عرض تطبيع العلاقات مع إسرائيل كجزء من اتفاق يشمل استعادة قطاع غزة. لكن نتنياهو رفض شرط بن سلمان، بربط الاقتراح بإمكانية إقامة دولة فلسطينية.
والآن يقول ثلاثة مسؤولين أميركيين كبار إن إدارة بايدن تتطلع إلى “ما بعد نتنياهو” لمحاولة تحقيق أهدافها في الشرق الأوسط. وقالوا لشبكة “أن. بي. سي.” إن نتنياهو “لن يبقى إلى الأبد”.
وأشار المسؤولون الأميركيون أيضاً إلى أن بلينكن بدأ زيارته الأسبوع الماضي في الشرق الأوسط بدول عربية وليس بإسرائيل، من أجل الوصول إلى نتنياهو وهو يحمل مقترحا عربيا موحدا لليوم التالي للحرب. وجاء في التقرير أن بلينكن توجه إلى نتنياهو وأخبره أنه لا يوجد حل عسكري لحماس، وأن عليه أن يدرك أنه بدون اتفاق سياسي، فإن التاريخ سيكرر نفسه – لكن نتنياهو “لم يتأثر”.
والآن، يقول المسؤولون الأميركيون إن إدارة بايدن تحاول إرساء أسس هذه الخطة مع زعماء إسرائيليين آخرين ومع «المجتمع المدني» في الكيان، تمهيداً لتشكيل حكومة من دون نتنياهو.
وقال اثنان من كبار المسؤولين في إدارة بايدن لشبكة “إن بي سي” إن بلينكن أطلع بايدن على تفاصيل لقاءاته. وتواصل الولايات المتحدة محادثاتها مع الزعماء العرب، وتأمل في “إعادة تشكيل الشرق الأوسط”، جزئياً من خلال إقامة دولة فلسطينية. وهم يقولون أنه، لهذا السبب، يتعين على تطلعات الرئيس للتوصل إلى سلام مستدام أن تنتظر حتى ما بعد لنتنياهو.
وقال مصدر مطلع على التفاصيل إن الكرة الآن هي “في ملعب نتنياهو”، وامتنع عن تقدير أن الحكومة الحالية لن تقبل بالطرح العربي. وقال: “إذا لم تكن حماس موجودة في غزة بعد الحرب، وقام السعوديون والدول العربية المعتدلة الأخرى بتطبيع علاقاتهم مع إسرائيل، فإن ذلك سيغير قواعد اللعبة”.
وبحسب تقرير “فايننشال تايمز”، اعتبر المسؤول العربي الكبير أنه “في الوضع السياسي الحالي في إسرائيل، ربما يكون التطبيع مع السعودية هو ما سيجعل الإسرائيليين ينزلون عن الشجرة.”.
وتأتي هذه المبادرة وسط ضغوط دولية متزايدة على إسرائيل لإنهاء حربها غزة، بينما تعمل الولايات المتحدة على زيادة الجهود الدبلوماسية لمنع اندلاع موجة أوسع نطاقا والدفع من أجل حل طويل الأمد للصراع العربي الإسرائيلي.