مع وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب الى منطقتنا العربية، في الحادي والعشرين من هذا الشهر، ستنقلب الدنيا رأساً على عقب مع تنقل مبعوث الإيمان بين عواصم الأديان السماوية الثلاثة: الإسلام اليهودية والمسيحية..
ستهبط هداية الرحمن على الضيف البروتستاني الكبير، والبروتستانتية هي أقرب المذاهب إلى اليهودية، والمضيفين الأتقياء فتتم المصالحة التاريخية بين المؤمنين جميعاً، ويسود العالم السلام..
فالزائر الكبير، كما تعرف الدنيا جميعاً، غارق في الإيمان حتى أذنيه، تماماً كما حال مستقبليه في السعودية وما حولها من إمارات الجهاد والبذل من أجل رفعة الإسلام … ثم في الكيان الصهيوني حيث يقدم بنيامين نتنياهو صورة المؤمن طاهر الذيل واليدين من دماء أهل البلاد الذين كانوا دائماً أهلها، والذين يحاول الآن ابادتهم بكل وسائل القهر والقتل والإبعاد القسري، فضلاً عن السجن المفتوح لهم بلا محاكمة، هم الذين لم يجدوا للرد عليه إلا الصيام المفتوح عن الطعام والذي يشارف حدود الشهر، مع وصول الضيف الأميركي الكبير، والآتي مبعوثاً للإيمان ومحاولة التوفيق بين أهله جميعاً.
فأهل النفط والغاز الذين سيغمرهم شرف استقبالهم رئيس الكون وهو “مولاهم” و”مصدر نعمتهم”، سوف يكون همهم الأول تأمين عروشهم بمعاهدات جديدة تطمئنهم وتذهب بقلقهم الذي تسبب به الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، نتيجة جبنه وتردده في اتخاذ القرار، في حين ان الرئيس الحالي يندفع بشجاعة الانتحاري فيتخذ القرار، ولو خاطئاً، ثم يحاول التصحيح بأخطاء أخرى متتابعة.
سيجد الرئيس ترامب في شرف استقباله ثم في الاجتماعات اللاحقة أهل القرار من أصحاب الإيمان بالدين الحنيف: أولهم خادم الحرمين الشريفين، ملك المملكة العربية السعودية الملك سلمان بن عبد العزيز، يحف به ولي ولي عهده الأمير محمد بن سلمان (الذي سبق ان التقاه فتفاهم معه بسرعة ملفتة.. ولن يؤثر حضور أو غياب ولي العهد محمد بن نايف) .. ثم ولي العهد في دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد (وهو صديق قديم)، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل خليفة، وممثل السلطان قابوس (الذي لا يحب الأسفار ..).
ولسوف يدعى من يمثل الصديق المصري والحليف الأردني، وربما من يمثل العرش المغربي وغيرهم من أهل السنة..
ولعله، في هذا السياق، تم اختيار رئيس حكومة لبنان، سعد الدين رفيق الحريري. بينما تم الإعتذار من رئيس الجمهورية في لبنان عن عدم دعوته، للسب المبين أعلاه وأن كان تم التعويض عليه بدعوة صهره وولي عهده الوزير جبران باسيل.. مع ان لبنان ليس عضواً في مجلس التعاون الخليجي، ولا رئيسه من الأسرة الحاكمة في المملكة المذهبة، ولا صدر قرار عن مجلس الوزراء بتكليف رئيسه تمثيله في هذه المناسبة التاريخية ذات الدلالات المتضاربة.
كذلك تم تجاوز مجلس التعاون الخليجي في توجيه الدعوات واعتمدت قواعد جديدة أبرزها “رص الصفوف في مواجهة الخطر الإيراني، ممثلاً بإيران”، مع تحاشي الإشارة الى الخلاف المذهبي بين السنة والشيعة، حتى لا تكون فتنة.
على هذا ستكون لقاءات القمة هذه جدية ومركزة على الخطر الإيراني وضرورة التصدي له بصفقات مهولة من السلاح،كافة أنواع السلاح، براً وبحراً وجواً، لحماية أمن النفط، وأمن الدين معه، باعتبارهما معاً مصدر الاستقرار في الجزيرة والخليج، بل وكل الدنيا العربية.
والحديث يجري عن مئة مليار من الدولارات، يحتاجها ترامب لمواجهة العجز في ميزانية دولته الغنية… وهو الآن بين أهل النخوة والكرم، ومن البديهي أن يتكفلوا بنجدته، خصوصاً وانهم يعتزون بنخوته.. وقبل أيام ضرب ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إيران بسيف ترامب، واتهمها بابتداع إسلام غير الإسلام وتصديره لبناء امبراطورية فارسية جديدة، مستشهداً “بالتدخل الإيراني” في اليمن في حين ان الطيران الحربي الذي يقصف المدن والبلدات اليمنية الفقيرة إلا بالتاريخ هو طيران سعودي أساساً تتخلله بعض الطائرات الحربية التابعة للإمارات العربية المتحدة..
ومن المحتمل أن يتقرر مصير اليمن، في هذا اللقاء .. فالمملكة منهكة، والإمارات تحاول أن تخرج، وقطر التي كانت مخاصمة جاءت الى الرياض مصالحة، تعرض وساطتها لإيجاد المخرج، وهي المتخصصة في المخارج بدلالة ما تم في منظمة “حماس” حيث “استقيل” أمينها العام خالد مشعل ليسلم الراية الى اسماعيل هنية في غزة، للتخفف من تهمة “الإرهاب الإسلامي”.
بالمقابل فان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد سبق ترامب الى المملكة، ثم أكمل سفره الى البحرين ـ بناء على طلبها، على الأرجح ـ لطمأنة شيخها الذي صير نفسه ملكاً، الى أن اخوانه العرب لن يتخلوا عنه، وسيدعمونه في مواجهة “التهديدات الإيرانية”.
كذلك فعشية وصول ترامب الى المنطقة عاد الموفد الدولي الى اليمن، السفير الموريتاني الأصل، اسماعيل ولد الشيخ أحمد لمتابعة جهوده التي ضاعت عبثاً حتى الآن، لإيجاد تسوية تنقذ من تبقى من اليمنيين في بلادهم وما تبقى من صفحات تاريخها العريق على شكل تماثيل وكتابات ورسوم قاومت الزمن لكنها لن تستطيع الصمود للقذائف الحارقة التي صبها ويصبها الجار الشقيق.
وبحسب ما أعلنته واشنطن فان ترامب سيدعو خلال زيارته السعودية لنشر السلام ومواجهة العنف و”الفوضى” .. هذا في حين أعلن مستشار الأمن القومي الأميركي ان الجولة تهدف لتوحيد “اتباع الأديان”..
… وليس في علم أهل المنطقة، وهم عرب بأكثريتهم الساحقة، ان بلادهم تكاد تغرق في دماء ضحايا الحرب الدينية فيها، فالمسلمون والمسيحيون فيها يعيشون ولله الحمد حياة إخوة ووئام، كان اليهود شركاء فيها الى ما قبل إقامة دولة الكيان الصهيوني، فلما اقيمت اسرائيل بالقوة، نتيجة الدعم الدولي المفتوح، استدعي “اليهود العرب” اليها، فذهبت اكثريتهم الى “الجنة الموعودة” ليمضوا حياتهم في جحيم مفتوح على المجهول.
كذلك فليس في علم الفاتيكان والمراجع الدينية الإسلامية أو المراجع الدينية اليهودية ان ترامب “رسول” جديد، أو انه مبعوث العناية الإلهية لتوحيد اتباع الأديان..
على ان ذلك كله يخلق جواً اسطورياً حول زيارة ـ سابقة اختار ترامب ان يبدأ بها جولته للتعرف على العالم، مقرراً التصدي لمهمة مستحيلة في منطقة تقبع على فوهة بركان..
انها “قمة الإيمان”..
فبعض الناطقين باسم البيت الأبيض أعلنوا، بلسان ماكمستر أن “ترامب سيدعو خلال زيارته السعودية لنشر السلام ومواجهة العنف والفوضى”.. وهل أعظم من الدين سلاحاً؟!
كذلك فان مستشار الأمن القومي الأميركي أعلن أن “جولة ترامب تهدف لتوحيد اتباع الأديان”..
وهل أجدر من رئيس أميركي تختلط في عائلته البروتستانتية واليهودية ليكون داعية يبشر المسلمين بالإيمان ويحضهم على توحيد الأديان.. وانطلاقاً من أرض الرسالات السماوية الجزيرة العربية وفلسطين وسائر بلاد المشرق وصولاً الى أرض الكنانة… وبعدها الى الفاتيكان، في روما، على خطى تلميذ السيد المسيح القديس بطرس؟