غزة ـ حلمي موسى
الوضع في خانيونس يزداد صعوبة، مع اشتداد الحملة العسكرية على شرقي المدينة وشمالها. إلّا أن الجانب الأساسي من ثقل المعركة يدور في شمالي غزّة وفي وسط القطاع.
ففي الشمال، لاسيّما في أحياء الشجاعية والتفاح في مدينة غزة، وكذلك في جباليا ومخيمها ومشروع بيت لاهيا، تدور معارك محتدمة بين المقاومة وبين الاحتلال. كما أن مناطق مثل بيت حانون، وأحياء مثل الرمال الشمالي والشيخ رضوان، تشهد عمليات مقاومة عسكرية قوية ضد الاحتلال.
ومن الواضح أن التركيز الاعلامي على خانيونس له دلالات معنوية لأن اثنين من قادة “القسام” و”حماس” هما من ابناء هذه المنطقة. كما ان خزاعة وعبسان تقعان على مقربة شديدة من مستوطنات تم اقتحامها. ومن الواضح أيضا أن القيادة السياسية والعسكرية الصهيونية لا تفكر إلا في الانتقام المجنون. وهو ما يقوله صراحة نتنياهو عندما يشخصن الصراع ويتحدث عن بيت يحيى السنوار، أو عندما تتحدث القيادة العسكرية عن وصول “لواء جولاني” الى حي الشجاعية لتصفية حساب المدرعات المحترقة في العام ٢٠١٢ واسر جثة شاؤول آرون من داخل مدرعته.
إلّا أنّ استمرار سقوط القتلى بين القوات المتوغلة يشكل صدمة كبيرة لجيش بنى عقيدته القتالية على ما يسمى بـ”صفر إصابات”، وعلى التدمير المنهجي للمناطق قبل اقتحامها.
وصار الجيش الاسرائيلي يحاول فرض سيطرته على المناطق المأهولة وغير المأهولة ليس من خلال الطائرات الحربية فحسب، وإنما أيضا من خلال المسيرات المعروفة ب “كواد كابتر” التي تم تحويلها الى مسيرات للقنص وإطلاق الرصاص، وهي تجوب الشوارع وتستخدم على نطاق تكتيكي واسع جدا. فقوات العدو تستخدمها على مستوى أصغر الوحدات، سواء للاستطلاع او السيطرة. وذلك كلّه يجعل من استمرار المقاومة وتصاعدها ضد الاحتلال نوعا من المعجزة التي تحيّر قادة العدو وتربكهم.
عموما لا تقف الحيرة عند قادة العدو وانما تنتقل الى صفوف انصاره في الولايات المتحدة وفي أوروبا، وربما يؤشر ذلك الى واقع جديد قد نشهده عند انتهاء الحرب. الواضح أن التغيير آت.
بالإضافة إلى ذلك، وفي قراءة للإعلام الإسرائيلي، يبدو ان المراسلين، خصوصا العسكريين منهم، قد تحرروا من وهم القدرة على القضاء على “حماس” بمعنى القضاء على المقاومة. وصار المراسلون أكثر ميلا للتشكيك بجدوى العمليات العسكرية بعد مرور أكثر من شهرين على العدوان.
ويستعيد أحد المراسلين العسكريين واقع ما جرى في مستشفى الشفاء مثلا، قائلا أنّه حتى بعد خروج العسكر من المنطقة، بقي فيها الكثير من الانفاق والكثير من المقاومين.
كما ان القادة العسكريين في غزة، خصوصا في ألوية “الكوماندو” التي تقاتل في الشجاعية وجباليا وخانيونس، يقولون انهم بحاجة الى ما لا يقل عن اربعة أشهر “لتطهير” أي منطقة يتواجدون فيها. وإذا كان الوضع كذلك، فإن اسرائيل بحاجة لسنوات من أجل تحقيق أقرب اهدافها.
وعدا ذلك، فإن لقاء نتنياهو بالأسرى الذين أفرج عنهم كان عاصفا وزاد من معضلة مستقبل المخطوفين لدى حماس. وأظهرت النقاشات بين المفرج عنهم ونتنياهو أن الحملة العسكرية والقصف يناقضان مصلحة المخطوفين الإسرائيليين، ويخالف ما يدّعيه الجيش بان الضغط العسكري يسهل الافراج عنهم. ويدفع ذلك لتصديق الأنباء الواردة من مصر عن أن اسرائيل تبدي إشارات عن رغبتها في العودة الى المفاوضات للإفراج عن المخطوفين مما يفتح الباب من جديد لهدن او لوقف النار المؤقت او الدائم.