أثبت اللبنانيون في مواجهة المحنة التي تسبب فيها الإنفجار الهائل في بعض المستوعبات المنسية في مرفأ بيروت، أنهم شعب واحد يعيش المحن والمصائب والأحزان مجتمعاً، حاضناً بعضه البعض، متعاطفاً مع الضحايا والجرحى والمدمرة بيوتهم وأرزاقهم بحيث قد يحتاجون إلى مأوى جديد.
لم يتأخر أحد، لم يتردد أحد. اندفع الجميع رجالاً ونساءً، وبالذات الشباب وصبايا الورد لنجدة المنكوبين ومساعدة المحتاجين..
حتى اليوم، وبعد أكثر من شهر من وقوع الإنفجار ما زال الشباب والصبايا يعملون في رفع الأنقاض، وتنظيف البيوت التي لم تتهدم من الحطام المتناثر تحتها في الشارع أو في جنباتها، وحمل المساعدات إلى المتضررين.
سقطت الشعارات الإنفصالية المتسترة بالدين أو التعدد الطوائفي، وترسخت الوحدة الوطنية أكثر مما كانت في أي يوم، ونبذ الطوائفيون واستبعدوا خصوصاً وأن الشباب وصبايا الورد الذين عملوا وما زالوا يعملون في رفع الركام والاطمئنان إلى سلامة الأهالي، ما زالوا في الشارع وقد حملوا المعاول والرفوش يعيدون ما يجدونه في طريقهم من متاع الأهالي وأغراضهم الشخصية إلى أصحابها.
تأكدت الوحدة الوطنية بين اللبنانيين بلا وسيط.
لم ينتظر من اندفع إلى نجدة أهله أن يصله نداء استغاثة أو مطلب عون:- رأى الكل في ما حدث نكبة وطنية، وبادروا إلى توظيفها في تمتين أواصر وحدتهم متجاوزين الطائفية والمذهبية والفروق بين أبناء الريف وأبناء المدينة.. فالوطن هو الأصل، والشعب واحد مهما ابتدع التقسيميون من الذرائع لتثبيت القطيعة وتكريس الإنفصال بين “الشعوب اللبنانية” التي كانت وستبقى شعباً واحداً بهوية واحدة.
بعد ساعات سقط التباعد وتلاقى الكل في قلب المأساة. لم ينتظر من كان في البعيد دعوة لكي يسارع إلى النجدة، ولم يسأل المنجدون الضحايا عن إنتماءاتهم الدينية أو توجهاتهم السياسية. كان الجميع مواطنين، أبناء شعب واحد، يواجهون المأساة التي ضربتهم بوحدتهم بوطنيتهم والأمان بوحدة المصير.
ولعل هذه الوحدة الوطنية التي أكدها الزلزال الذي ضرب بيروت فدمر بعض عمرانها، قد أسكتت الإنفصاليين وكشفت النقص في الإنتماء الوطني عبد بعض المستغربين ..
ومؤكد أن الزيارة السريعة بل المباغتة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد تركت صداها الطيب لدى جميع اللبنانيين، خصوصاً وقد تعامل معهم بتعاطف واضح ولكن من موقع رئيس دولة أجنبية.. ولكنها كانت وما زالت صديقة للبنانيين بعدما تخلصت من لوثة الاستعمار والمندوب السامي..
الزيارة الثانية، والتي كانت خاطفة، خصصها الرئيس الفرنسي لمن يستحق التقدير من الفنانين الذين حملوا لبنان إلى العالم، وفي طليعتهم السيدة فيروز، سفيرة النجوم التي أطربت جيلين أو ثلاثة من أبنائهم وأحاطتهم بنشوة ترافقهم ليل نهار..
كذلك فان لقاءه بالمبدعة ماجدة الرومي قد نبهت اللبنانيين إلى رؤسائهم وقادتهم عموماً لا يسمعون فإذا سمعوا لا يطربون فإذا طربوا افترضوا أن أصواتهم هي مصدر الطرب.
لبنان بخير.. ولسوف يهزم تجار الدم وباعة أنقاض البيوت!