شغلت جريمة اغتيال الكاتب الصحافي السعودي جمال خاشقجي العالم (غير العربي) بأكثر مما تشغله الجرائم الاسرائيلية اليومية ضد شعب فلسطين الممنوع من أن يكون “شعباً” وان يكون له وطن باسمه الذي كان اسمه عبر التاريخ: فلسطين!
وإذا كان طبيعيا أن يستهول العالم إقدام “دولة” تحكمها اسرة ملكية بالسيف منذ حوالي المائة عام، على اغتيال صحافي معروف لكنه لم يكن يشكل خطراً على عرش مذهب او مملكة تكاد تكون الاغنى في العالم، اخذاً بالاعتبار عدد سكانها الفقراء حتى الجوع في معظم مناطقها، والاغنياء حتى التخمة في قصور حكامها والعسس والجواري والخدم الملكي.
…فمن غير الطبيعي أن نجد أن معظم الحكام العرب، بمن في ذلك من يستعد لإعادة تشكيل الحكومة في لبنان، قد صمتوا صمت القبور عن هذه الجريمة النكراء، وان يقفوا صفاً واحداً ـ مع استثناءات معدودة ـ إلى جانب “القاتل” الذي اعترف بجريمته وان هو قد حمى “الآمر بالقتل” وتساهل في تسليم المنفذين!
هذا يعني، ببساطة، أن الشعوب العربية يحكمها القتلة، سواء بمباشرة الفعل، او بالتستر على الجريمة وحماية المنفذين.. وفي هذا تتساوى الانظمة الحاكمة بالقتل ملكية وجمهورية واماراتية، لا فرق بين السيف والخنجر وكاتم الصوت او الاغتيال خنقاً..
وهذا يعني، ببساطة ايضا، “تبرئة” الدول المتحكمة بشعوب العالم بسبب من فائض قوتها وضعف المسترهنين بعجزهم عن التغيير، وادانة المستضعفين الذين يعجزون عن حماية حياتهم من بطش حاكمهم..
أن مثل هذه الانظمة العربية التي تحكم بالسيف والسيف والسيف مع شيء من الذهب توفر تبرئة ـ مقدمة ومتأخرة ـ للاستعمار والامبريالية . فهي تقتل “رعاياها” بكفاءة اعلى، وبتعاظم على قوانين العالم وهيئات العدالة فيه، مفترضة انها قادرة على شراء “البراءة”، دائماً، بالذهب ومصالح الآخرين معها ولديها..
إن هذه الجريمة تقدم تبرئة مجانية للعدو الاسرائيلي عن جرائمه اليومية ضد شعب فلسطين… فإسرائيل دولة عدوة قامت بل اقيمت بالحديد والنار على ارض فلسطين، فقتلت ما مكنتها آلتها الحربية من عديده، ثم طردت الباقي من شعبه إلى المنافي، قريبها والبعيد.. ووفر لها الاستعمار الذي اقام “دولتها” على ارض ليست لها، اسباب القوة لتكون قادرة على الحاق الهزيمة بدول الجوار العربي لفلسطين، التي بالكاد كانت قد حصلت على “استقلالها” وهي بلا امكانات اقتصادية ولا قدرات عسكرية، فهادنت مرغمة، ثم اندفع بعضها إلى التسليم بالواقع مرتكبا جرم الخيانة، من غير خوف من العقاب، وهذه ذروة الاستهانة بالشعب الذي وجد ـ في بعض الحالات ـ الوسيلة للانتقام من الخونة، رميا بالرصاص، او خلعا من دست الحكم، حتى من قبل أن يضمن مآل التغيير.
فلنعترف علناً وأمام العالم اننا ما زلنا شعوباً تحت قهر الاستعمار والدكتاتورية وخديعة “الديمقراطية بالتعيين” والحرية “بالأمر العسكري” و”الاستقلال” عن المدنية والحضارة بتسليم بقدراتنا وشؤوننا للأشرس من الآمرين بالقتل بذريعة توطيد الأمن لحفظ سلامة الرعايا..
وليس أبأس من أن يقدم العرب ـ شعوباً قبل الحكام ـ شهادة براءة لتركيا التي استعمرتهم ـ ايام سلطنتها ـ لحوالي خمسمائة عام، فأبادت نصفهم او اكثر، قبل الحرب العالمية الاولى وخلالها، من جريمة وحشية منظمة نفذها نظام بدوي سفاح في حق صحافي جريمته انه يعرف القراءة والكتابة، في القنصلية السعودية في اسطنبول، مقدماً لتركيا اردوغان خدمة لا تقدر بثمن، اذ قدمها للعالم في صورة “حامية العدالة” وحارسة ارواح “ضيوفها” وليس فقط رعاياها، بينما الحاكم العربي الذي يزين رأسه بالكوفية والعقال المذهب هو الآمر بالقتل والمنفذ بتقطيع جثة المجني عليه واخفاء ما يدل على انه “كان موجوداً”!
أي اهانة تلحق بالمواطن العربي، وهو الضحية دائماً، أفظع من أن يتبدى اردوغان هو المدافع عنه، وزعيم الامبريالية في العالم دونالد ترامب هو القيم على العدالة، بينما تقبع الامة في قفص الاتهام بتهمة انها آكلة ابنائها؟!
أن عنوان اهانتنا يقبع على رأس الحكم في بلادنا، وهو من يجلب لنا العار..
وهل معقول أن تكون بلادنا بين الاكثر تخلفاً في العالم وارضها والبحر يفيضان بالخيرات نفطاً وغازاً، لكن وارداتها تذهب ـ قهراً ـ إلى القصور واليخوت الملكية وشراء الجواري والعملاء من حكام الدول الشقيقة التي يذلها فقرها فتخضع وتسلم امرها لجلاديها؟
.. هل من الضروري اعادة نشر صورة الرئيس سعد الحريري والأمير محمد بن سلمان يداعبه مذكراً بأيام احتجازه في الرياض فيضحك له ويضحك معه بينما العالم يضحك منا..
يا أمة ضحكت من جهلها الأمم!
تنشر بالتزامن مع السفير العربي