أفترض أن زهو الرعايا بلبنانيتهم أخذ بالتناقص لتحل محله الشكوى من بلد لا يحفظ أبناءه، بل يتباهى مسؤولوه بأعداد المشردين منه والذين باتوا يعرفون “بالمغتربين”، والذين ألحقوا بوزارة الخارجية بعد أن أضافوا الى اسمها و”المغتربين” ليظلوا في عصمة الصهر ـ ولي العهد، فلا يخرجوا عن طاعته.
والمغتربون مثلهم مثل المقيمين، بعضهم بسمنة وبعضهم الآخر بزيت.. فالفقراء منهم، حيثما وجدوا، لا يعترف بهم المسؤولون، أما كانزو الثروات فلهم الصدارة في كل مجلس، سواء أكانوا من تجار ألماس في أفريقيا، أم من تجار النفط أو اللؤلؤ أو الخبرات في الخليج، أم من الكادحين الذين جنوا الثروة بعد عمر في بعض دول أميركا اللاتينية، أم من المضاربين والشطار الذين لم يجدوا مانعاً في مشاركة اليهود والعمل لديهم في الولايات المتحدة الأميركية، أو الذين خدمهم الحظ مع وصولهم الى البلاد الغنية فاغتنموا الفرصة وأثروا، خصوصاً مع دفع التنازلات المطلوبة، لا سيما في ما خص مجالات أعمالهم، فتغاضوا عن عنصرية اليهود وعملوا معهم أو لهم، إلا من وفرت له المصادفات أن يستخدم عقله في مجال العلاقات العامة والتجارة وعقد الصفقات مع “الذين يعرفون أكثر”..
الطريف أن عشرات الآلاف أنزلهم تجار السفر عند بعض شواطئ أفريقيا بزعم انها “أميركا” التي كانوا يتطلعون الى الوصول اليها ومباشرة الغرف من ذهبها..
ولقد ارسل المغتربون في أفريقيا معظم ما جنوه الى اهلهم هنا، ثم لما شاخوا عادوا ليقيموا، آخر سنوات عمرهم في قصور وفيلات فخمة لم يتمتعوا بها إلا لأسابيع قليلة قبل الرحيل..
الملفت أن وزير الخارجية “يعتز” و”يباهي” بالمغتربين الأميركان، أما مغتربو أفريقيا فما زالوا في “الدرجة الثانية” برغم أن معظم ما جنوه قد صب في الوطن.. بينما “الأخوة الأميركيون” يكتفون، بأغلبيتهم الساحقة، بأنهم قد وجدوا الفرصة لتعليم أبنائهم وضمان المستقبل الأفضل لهم.. ومعظم “الكبار” في السن أعطوا زهرة أعمارهم “للستايت”، ثم غادر راضياً مرضياً..
على أن الظاهرة الخطيرة، الآن تتمثل في تزاحم الشباب الجامعي في صالات مطار بيروت الدولي قاصداً الرحيل لإنعدام فرص العمل في البلد أو لضآلة الأجور التي تدفع لهم في بيروت، بدءاً بالمصارف وانتهاء بوظائف الدولة والقطاع الخاص..
ومفهوم أن معظم هؤلاء الذين يهاجرون، سواء لإكمال تخصصاتهم العليا في جامعات الدول الأجنبية، والأميركية أساساً، لن يعودوا الى “وطنهم ـ الأم” إلا لزيارات قصيرة، بين عام وآخر، للاطمئنان الى الأهل، أو للتعزية بمن رحل من أهلهم الى الرفيق الأعلى..
وطني لو شغلت بالخلد عنه لنازعتني اليه في الخلد نفسي